بعد تصدي الجيش المغربي لتحركات “البوليساريو” قرب المحبس: الجزائر بين التصعيد العسكري والعزلة الدبلوماسية
في خضم توترات إقليمية متصاعدة، عاد ملف الصحراء المغربية ليتصدر المشهد، إثر تصدي القوات المسلحة الملكية المغربية لمحاولة اختراق جديدة للجدار الأمني في منطقة المحبس. التحرك الذي قادته ميليشيات “البوليساريو”، والمدعوم ضمنيًا من الجزائر، أسفر عن رد عسكري مغربي دقيق عبر استخدام طائرة مسيّرة، مما أدى إلى مقتل عدد من العناصر المسلحة. هذا التطور أثار العديد من التساؤلات حول دلالاته ورسائله، ليس فقط على مستوى الصراع الميداني، بل أيضًا على المستوى السياسي والدبلوماسي في المنطقة.
رسائل المحبس: أكثر من مجرد تحرك عسكري
لم تكن محاولة الاختراق مجرد خطوة عسكرية معزولة، بل جاءت في سياق سياسي ودبلوماسي متشابك. تزامن هذا الهجوم مع تصريحات وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أمام البرلمان، التي أكد فيها أن هناك “أطرافًا تسعى لجر المنطقة إلى الحرب”. هذه الأطراف، وفي مقدمتها الجزائر، تبدو وكأنها تبحث عن تصعيد عسكري كوسيلة للتعبير عن رفضها للمكتسبات الدبلوماسية التي حققها المغرب في ملف الصحراء، خاصة بعد تأكيد قوى دولية كفرنسا وأمريكا على دعمها لمبادرة الحكم الذاتي.
لكن التساؤل الأبرز هنا: هل تسعى الجزائر لتحويل الساحة الميدانية إلى ورقة ضغط دولية، أم أنها تحاول إثبات حضورها بعد تراجع مكانتها الدبلوماسية؟
رمزية التحرك وتوقيته: لماذا الآن؟
يرى المحلل السياسي محمد شقير أن هذا التحرك يحمل رسائل سياسية أكثر منه استراتيجية عسكرية. توقيت الهجوم تزامن مع ذكرى المسيرة الخضراء، التي تمثل رمزًا وطنيًا مغربيًا للسيادة والوحدة. من هنا، يبدو أن الجزائر و”البوليساريو” أرادتا إيصال رسالة مفادها أن النزاع لا يزال قائمًا، وأن الحل المغربي المتمثل في مبادرة الحكم الذاتي ليس مقبولًا لديهما.
لكن هنا تبرز معضلة: هل يمكن لهذه التحركات الرمزية أن تغير الواقع السياسي؟ أم أنها مجرد محاولات يائسة أمام مكاسب المغرب الدبلوماسية والاعتراف الدولي المتزايد بسيادته على الصحراء؟
الجزائر: بين العزلة الدبلوماسية والاستعراض العسكري
تواجه الجزائر اليوم عزلة دبلوماسية متزايدة، خاصة بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب وتأكيد دعم باريس للسيادة المغربية. هذه العزلة تتزامن مع تراجع فعالية استراتيجياتها الداعمة لـ”البوليساريو”، والتي لم تعد تجد صدى دوليًا. ومع ذلك، تسعى الجزائر لإظهار نفسها كطرف لا غنى عنه في النزاع، عبر تحركات عسكرية مباشرة أو دعم العمليات الرمزية لـ”البوليساريو”.
السؤال المطروح: هل هذه الاستراتيجيات هي خيار تكتيكي أم محاولة أخيرة للحفاظ على تأثيرها في النزاع؟
المغرب: ضبط النفس مع تعزيز الردع العسكري
في المقابل، يواصل المغرب استراتيجيته المتمثلة في ضبط النفس والاعتماد على الردع العسكري المحدود، مثل استهداف الطائرات المسيّرة لأي محاولات اختراق. هذه الاستراتيجية لا تقتصر على الجانب العسكري، بل تمتد إلى الساحة الدبلوماسية، حيث يطالب المغرب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته في ضمان استقرار المنطقة.
لكن هل يمكن للمغرب أن يواصل هذه الاستراتيجية الهادئة إذا استمر التصعيد الجزائري؟ أم أن الوضع قد يدفع الرباط إلى تبني نهج أكثر صرامة في التعامل مع الاستفزازات؟
المعادلة الإقليمية: صراع بين الشرعية والتأثير
يبدو أن التوتر الحالي هو صراع بين شرعية المغرب الدولية ومناورات الجزائر الإقليمية. ففي الوقت الذي يعزز فيه المغرب موقفه عبر الاعترافات الدولية بمبادرة الحكم الذاتي، تحاول الجزائر إعادة تموضعها عبر خطوات عسكرية ودبلوماسية تهدف إلى إحياء دورها في النزاع.
الخلاصة: إلى أين يتجه النزاع؟
مع تصاعد الأحداث، تظل المنطقة أمام خيارات صعبة:
-
إذا استمرت الجزائر في التصعيد: قد يجر ذلك المنطقة إلى توترات أوسع تؤثر على استقرارها، ما سيضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية التدخل لاحتواء الموقف.
-
إذا استمرت المغرب في ضبط النفس: قد تستمر الرباط في تعزيز مكتسباتها الدولية، مع الحفاظ على نهج عسكري ودبلوماسي حذر.