في ظل الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات بالمغرب، وخاصة خلال النصف الثاني من شهر أغسطس 2024، يثار تساؤل جوهري حول تأثير تحرير أسعار المحروقات على المعيش اليومي للمغاربة، وما هي الرسالة التي يسعى الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، إلى إيصالها للحكومة والمواطنين على حد سواء؟
المعطيات الاقتصادية وتحليل الأسعار:
بحسب متوسط أسعار السوق العالمية، فإن إلغاء قرار تحرير الأسعار والعودة إلى نظام تحديد الأسعار كما كان معمولاً به قبل نهاية 2015، كان سيؤدي إلى تحديد سعر لتر الغازوال عند 10.23 درهم ولتر البنزين عند 11.58 درهم. ومع ذلك، نجد في محطات التوزيع في الدار البيضاء والمحمدية أن الأسعار تتجاوز ذلك بكثير، حيث يباع الغازوال بما لا يقل عن 12 درهم، والبنزين بأكثر من 14 درهم. هذا الفارق الكبير يثير أسئلة حول الهوامش الربحية الضخمة التي تستفيد منها شركات التوزيع.
الرسالة الموجهة للحكومة:
الحسين اليماني يدعو إلى مراجعة جذرية لسياسات تحرير أسعار المحروقات، مبرزاً أن استمرار تحرير الأسعار يعكس استغلالًا واضحًا للوضع الاحتكاري من قبل الشركات، ما يؤدي إلى تحميل المواطن المغربي تبعات مالية ثقيلة تفوق قدرته الشرائية.
الرسالة الأساسية هنا هي ضرورة تدخل الدولة لضبط السوق وحماية المواطنين من تداعيات تحرير الأسعار غير المنضبط.
هل تحرير الأسعار يحقق العدالة؟
يمثل إلغاء قرار تحرير أسعار المحروقات خطوة أولى في رؤية اليماني لحماية الاقتصاد الوطني والمستهلك المغربي. يتساءل هنا، هل يمكن لنظام اقتصادي يعتمد على قانون السوق والعرض والطلب أن يحقق العدالة في بلد يعاني من ضعف الأجور وارتفاع معدلات البطالة وهشاشة التغطية الاجتماعية؟ أم أن هذا النظام يخدم فقط مصالح كبار المستثمرين والشركات الكبرى على حساب عموم الشعب؟
الدعوة لإحياء تكرير البترول:
من بين الحلول التي يطرحها اليماني هو إحياء تكرير البترول عبر شركة سامير، التي تعتبر محطة استراتيجية لضمان احتياجات البلاد من الطاقات البترولية.
يرى اليماني أن جميع المبررات التي كانت تروج لها الحكومة لتبرير إغلاق سامير قد سقطت، وأن الوقت قد حان لإعادة النظر في هذه السياسات التي تضر بالمصلحة الوطنية.
موجة الغلاء والتأثيرات الاجتماعية:
يشير اليماني إلى أن موجة الغلاء الناتجة عن تحرير أسعار المحروقات وإلغاء الدعم الحكومي للمواد الأساسية قد بدأت تظهر بوضوح في الحياة اليومية للمغاربة. ويرى أن الحلول المطروحة، مثل الدعم الاجتماعي وزيادات الأجور المحدودة، لا تكفي لمواجهة هذه التحديات، وأن الأمر يتطلب “جرأة سياسية” لإعادة النظر في سياسات السوق التي لا تتناسب مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمواطن المغربي.
الخلاصة والتساؤلات المفتوحة:
تطرح مداخلة اليماني مجموعة من التساؤلات الجوهرية: هل ستستجيب الحكومة لدعوات إعادة النظر في تحرير أسعار المحروقات؟ وكيف يمكن تحقيق توازن بين مصالح الشركات الكبرى وحقوق المواطنين؟ وهل إحياء شركة سامير يمكن أن يكون جزءًا من الحل لتحقيق الاستقلال الطاقي وضمان أسعار معقولة للمحروقات؟ كل هذه الأسئلة تبقى مفتوحة وتحتاج إلى نقاش وطني جاد يضع مصلحة المواطن المغربي في المقام الأول.