تحرير الأسعار أم احتكار السوق؟ أزمة المحروقات بين أرباح الشركات ومعاناة المواطن

0
121

في ظل استمرار ارتفاع أسعار المحروقات في المغرب، يطفو على السطح بيان الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، ليطرح تساؤلات جوهرية حول سياسة تحرير الأسعار وتداعياتها على القدرة الشرائية للمواطنين. البيان، الذي يكشف عن تفاصيل مثيرة حول الفروق بين الأسعار الفعلية والمفترضة، يفتح الباب أمام نقاش أوسع حول سياسات الطاقة في المغرب ومدى استجابة الحكومة لمطالب الشعب.

الأسعار المفترضة مقابل الأسعار الفعلية: أين تكمن الفجوة؟

وفقًا لبيان اليماني، فإن أسعار المحروقات في المغرب، إذا تم احتسابها على أساس القاعدة القديمة لتركيب الأسعار (قبل تحرير السوق)، كان يجب ألا تتجاوز 10.4 درهم للغازوال و11.52 درهم للبنزين خلال النصف الثاني من فبراير الجاري. لكن الواقع يشير إلى أن الأسعار في المحطات لا تقل عن 11.5 درهم للغازوال و13.5 درهم للبنزين.

هذه الفجوة الواضحة بين الأسعار المفترضة والفعلية تطرح تساؤلات حتمية: من يستفيد من هذه الزيادات؟ هل تحرير الأسعار، الذي كان يُفترض أن يعزز المنافسة ويخفض الأسعار، تحول إلى أداة لزيادة أرباح الفاعلين في السوق؟ وما مدى شفافية آليات تحديد الأسعار في ظل غياب مصفاة وطنية قادرة على ضبط التكاليف؟

تحرير الأسعار: بين المبدأ والواقع

كان الهدف المعلن من تحرير أسعار المحروقات هو تعزيز المنافسة الحرة وإتاحة الفرصة للمستهلكين للاستفادة من انخفاض الأسعار عالميًا. لكن الواقع يبرز عكس ذلك تمامًا، حيث لم تنخفض الأسعار، بل ارتفعت بشكل ملحوظ، مما أثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين.

في هذا السياق، يبرز السؤال التالي: هل فشلت سياسة تحرير الأسعار في تحقيق أهدافها؟ أم أن هناك عوامل أخرى، مثل الضرائب المرتفعة وأرباح الشركات، هي التي تقف وراء هذا الارتفاع؟ ولماذا لم تؤد المنافسة إلى خفض الأسعار كما كان متوقعًا؟

الضرائب وأرباح الشركات: من يتحمل العبء الأكبر؟

يشير البيان إلى أن ثمن الطن في السوق الدولية يتقارب بين البنزين والغازوال (حوالي 715 دولارًا للطن)، لكن الفرق بين المنتوجين في الأسواق المحلية يصل إلى درهمين. هذا الفرق يعزى إلى الضرائب المرتفعة على البنزين، حيث تبلغ الضريبة الداخلية على الاستهلاك 3.76 دراهم، بالإضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة التي تزيد عن درهم واحد.

هنا يثار تساؤل حول عدالة النظام الضريبي في قطاع المحروقات: هل الضرائب المرتفعة على البنزين مبررة؟ أم أنها تشكل عبئًا إضافيًا على المواطنين الذين يعانون بالفعل من ارتفاع تكاليف المعيشة؟

أرباح الفاعلين: هل يتم استغلال تحرير الأسعار لزيادة الأرباح؟

يؤكد اليماني في بيانه أن أرباح الفاعلين في سوق المحروقات ارتفعت بشكل ملحوظ بعد تحرير الأسعار. هذا الارتفاع في الأرباح يثير تساؤلات حول مدى استغلال الشركات لسياسة تحرير الأسعار لزيادة أرباحها على حساب المواطنين.

هل يتم مراقبة أرباح هذه الشركات بشكل كافٍ؟ وهل هناك آليات حكومية لضمان أن تحرير الأسعار لا يتحول إلى أداة لاستغلال المواطنين؟ وهل يمكن للحكومة التدخل لفرض سقف معين للأرباح كما فعلت بعض الدول؟

نداءات الشعب: هل تلقى أذانًا صاغية؟

في خضم هذه الأزمة، يطرح اليماني سؤالًا محوريًا: هل يمكن لنداءات الشعب أن تلقى أذانًا صاغية من قبل الحكومة؟ أم أن المواطنين أصبحوا عاجزين عن تغيير الواقع، خاصة إذا كان “القاضي دجاجة”، كما جاء في البيان؟

في ظل هذا الوضع، يبقى التساؤل مفتوحًا: هل ستتخذ الحكومة إجراءات ملموسة لضبط سوق المحروقات، أم أن الوضع سيبقى على ما هو عليه، مما يزيد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على المواطنين؟

حلول مقترحة: هل من مخرج للأزمة؟

لتجاوز هذه الأزمة، يمكن التفكير في عدد من الحلول الممكنة، أبرزها:

  1. إعادة تشغيل مصفاة “لاسامير” لتوفير بديل محلي يقلل من التبعية للخارج.

  2. إعادة النظر في النظام الضريبي، وخاصة الضرائب المفروضة على البنزين، لتخفيف العبء عن المستهلكين.

  3. إلزام الشركات بالشفافية في تسعير المحروقات، مع فرض سقف معين للأرباح في حال استمرار الفجوة بين الأسعار الدولية والمحلية.

  4. تعزيز آليات الرقابة الحكومية لضمان عدم استغلال تحرير الأسعار لتحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب المواطنين.

في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل تملك الحكومة الإرادة السياسية لاتخاذ هذه الخطوات؟ أم أن الأزمة ستستمر، ليبقى المواطن هو الخاسر الأكبر؟