بدأت السلطات المحلية في عدد من المدن الساحلية المغربية حملات جديدة لتحرير الشواطئ من مظاهر “الاحتلال العشوائي”، لا سيما من قبل أصحاب المظلات والكراسي الذين يحوّلون الفضاءات العمومية إلى شبه ممتلكات خاصة تُكترى مقابل أثمان متفاوتة، في غياب أي تقنين أو تأطير رسمي. وقد شملت هذه التدخلات شواطئ مثل “رستينكا” بالمضيق، وعين الذياب في الدار البيضاء، وغيرها من الفضاءات التي عرفت، خلال السنوات الأخيرة، تدهورًا كبيرًا في جودة استقبال المصطافين، نتيجة انتشار الممارسات غير القانونية.
لكن السؤال الأعمق المطروح: هل نحن أمام حل بنيوي لأزمة احتلال الملك البحري العمومي، أم مجرّد تحرك موسمي سرعان ما يفقد زخمه بعد نهاية العطلة الصيفية؟
مشكلة ليست جديدة… لكنها مُزمِنة
ظاهرة “احتلال الشواطئ” ليست وليدة اللحظة، بل تُعتبر نتيجة تراكمات في غياب سياسات واضحة لتنظيم الاقتصاد غير المهيكل المتصل بالأنشطة الصيفية.
فأغلب من يسيطرون على الشواطئ، سواء من خلال كراء المظلات أو وضع الكراسي، يشتغلون خارج أي إطار قانوني، مستفيدين من الفراغ التنظيمي وضعف الرقابة الميدانية، خاصة في المناطق التي لا تُخضعها المجالس المنتخبة لدفتر تحمّلات واضح.
وفي هذا السياق، تبدو التدخلات الحالية بمثابة “علاج موضعي” لإشكالية ذات أبعاد أعمق، تتقاطع فيها قضايا تدبير الملك العمومي، وضعف الحكامة المحلية، وغياب تأطير منصف للأنشطة الاقتصادية الموسمية.
دفاتر التحملات: بين التنصيص والتنزيل
في تصريح رسمي، أكدت مليكة مزور، نائبة عمدة الدار البيضاء، أن شاطئ عين الذياب يخضع منذ العام الماضي لدفتر تحمّلات واضح يفرض شروطًا دقيقة على المستغلين، من بينها توحيد المظلات والنظافة، وهو أمر إيجابي من حيث المبدأ.
لكن تظل الإشكالية في التطبيق: إذ تبيّن التجربة أن الفصل بين الفضاءات الخاضعة وغير الخاضعة لدفتر التحملات يُنتج ازدواجية في التدبير، ويجعل جزءًا كبيرًا من الشاطئ خاضعًا لقواعد رمادية.
كما أن الرقابة الموعودة تظل، في أغلب الأحيان، غير دائمة، ما يفتح الباب أمام عودة الفوضى.
صوت المجتمع المدني: دعوة لتوحيد الرؤية وتفعيل القانون
من جانبه، أشار علي شتور، رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق المستهلك، إلى أن الفوضى التي تعمّ بعض الشواطئ تسيء لصورة البلاد، خاصة في ظل استعداد المغرب لاحتضان تظاهرات دولية رياضية وسياحية.
وشدّد على ضرورة سن قرارات تنظيمية وطنية موحّدة، بدل الاقتصار على مبادرات متفرقة تختلف من مدينة لأخرى.
ويعكس هذا الموقف إشكالية جوهرية في التدبير الترابي: الغياب المستمر لاستراتيجية وطنية موحدة لتأهيل الشواطئ كفضاءات عمومية ذات بُعد سياحي واجتماعي، مرتبطة بجودة العيش وثقافة الاستهلاك العادل.
السياق المقارن: دروس من تجارب دولية
في دول متوسطية مشابهة مثل إسبانيا أو تونس، تمكّنت السلطات من تأطير استغلال الشواطئ عبر تراخيص موسمية محددة، تخضع لمعايير بيئية وجمالية وسياحية صارمة، وتُرافق بمراقبة دائمة ومحاسبة فعلية للمخالفين.
هل يمكن للمغرب أن يستلهم من هذه التجارب نظامًا مرنًا ومتوازنًا يجمع بين تشجيع الأنشطة الصيفية والحفاظ على الطابع العمومي والمجاني للشواطئ؟
خلاصة: هل نؤسس لتنظيم دائم أم نُسكن الفوضى مؤقتًا؟
إن الحملات الجارية لتحرير الشواطئ تمثل خطوة مهمة في استرجاع الفضاءات العمومية، لكنها لن تكون كافية ما لم تُدرج ضمن رؤية مؤسسية بعيدة المدى، تُشارك فيها الجماعات المحلية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص.
يبقى التحدي الحقيقي هو تحويل هذه الدينامية من مجرد ردّ فعل موسمي إلى سياسة عمومية شاملة في تدبير الساحل المغربي، تنسجم مع أهداف التنمية السياحية، وتحترم الحق في الاستجمام، وتكرّس مبدأ العدالة في استغلال المجال العمومي.