في صحفية “المغرب الآن” الإخبارية الشاملة، نركز على تحليل وتفسير المواضيع التي تهم الشارع المغربي والعالمي على حد سواء. نبحث في عمق كل قضية، مستعرضين آراء الخبراء والمختصين، ونسلط الضوء على التصريحات والأقوال التي تصدر عن الشخصيات المؤثرة. خير دليل على منهجنا في التحقيق والتحليل هو التغريدة الأخيرة للأستاذ إدريس قصوري، التي تناولت مجريات الأحداث في سوريا وتفاصيل عملية تحرير دمشق. نرى أن هذه التغريدة تسلط الضوء على أحداث دقيقة تتطلب من الصحافة العميقة أن تضع القارئ في الصورة الكاملة، مما يساعد في إثراء النقاش العام وإعطاء فهم أوسع للوقائع.
في تحليل أستاذنا الجامعي إدريس قصوري، يتجلى تسليط الضوء على ما وصفه بـ”الصورة الثانية لتحرير سوريا”، وهو مشروع سياسي وعسكري يبدو أنه أعد بعناية شديدة وتخطيط محكم من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية. فهل هذا التنسيق الشامل بين فصائل المعارضة، ودول الجوار، والقوى الخارجية يكشف عن استراتيجية جديدة أم أنه مجرد محاولة لإعادة صياغة صورة جديدة للثورات العربية الفاشلة؟
1. الجراحة الدقيقة: عملية محكمة لتنحية بشار الأسد
يصف قصوري ما جرى في سوريا على أنه “عملية جراحية نموذجية” تهدف إلى قطع رأس النظام الديكتاتوري في سوريا. هذه العملية، التي قوبلت بتخطيط دقيق على الأصعدة العسكرية والإعلامية والحقوقية، تم تنفيذها بعناية لتفادي أخطاء الثورات السابقة في المنطقة. من خلال هذه الرؤية، يبدو أن التحديات التي واجهت الثورات العربية في 2011 قد تم أخذها في الحسبان، ليتم التحضير لما يُسمى بـ”الانقلاب الأبيض”، الذي سعى إلى تجنب الفوضى التي نشأت في ليبيا وتونس ومصر.
السؤال المهم هنا: هل هذا التكتيك هو الطريق الأنسب لتحقيق التغيير في سوريا، أم أن التاريخ قد علمنا أن مثل هذه العمليات قد تكون مسألة معقدة لا يمكن التحكم في نتائجها تمامًا؟ وهل التنسيق بين الأطراف الداخلية والخارجية حقق بالفعل هذا الهدف؟
2. الاستراتيجية الجماعية: اتفاق داخلي وخارجي بين المعارضة
التحضير الداخلي في سوريا، وفقًا لقصوري، كان مثاليًا في تنسيق جميع فصائل المعارضة، التي اتفقت على إنهاء حكم بشار كأولوية لا يمكن التنازل عنها. كان هناك التزام داخلي جماعي تمثل في “تغيير سوريا” بعيدًا عن الاستبداد. فقد تم الاتفاق بين جميع الأطراف على بناء حكم جديد تكون فيه سوريا للجميع، وهي رسالة واضحة للمجتمع الدولي والجوار العربي بأن هناك إرادة قوية لتغيير نظام الحكم.
السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي حدود هذا التنسيق؟ وهل فعلاً جميع فصائل المعارضة قد اتفقت على أهداف مشتركة، أم أن هناك فجوات كبيرة في الرؤى تكمن في مواقف مختلفة حول مستقبل سوريا السياسي؟
عند الحديث عن العمليات العسكرية، أشار قصوري إلى أن الجيش السوري قد لعب دورًا “ذكيا” في التراجع التكتيكي، حيث قام بفتح المدن تدريجيًا للمعارضة مع توهم النظام أن القتال مستمر. هذا التدرج، الذي وصفه “بإخلاء الطريق” للاحتلال المعارض، كان بمثابة خطة تمهيدية للتمهيد للانقلاب ضد بشار.
ومع ذلك، يبرز هنا سؤال كبير: هل كانت عملية التراجع العسكري منظمة كما وصفت؟ وهل تم بالفعل تحييد أداة القمع العسكرية الفاعلة من قبل النظام (مثل حزب الله وإيران)، أم أن هذه الصورة “الوردية” هي نتيجة لقراءة مغلوطة للموقف العسكري؟
4. الهيكلة السياسية: استمرار المؤسسات أو إسقاط النظام؟
فيما يخص السياسات الداخلية خلال تلك الفترة، يعتقد قصوري أن رئيس الحكومة المؤقتة قد تمكن من الحفاظ على استمرارية الحياة داخل سوريا، عبر الإبقاء على مؤسسات الدولة الأساسية والعمل على منع تدميرها. كانت هذه خطوة استباقية لضمان استمرارية الخدمات الحيوية للناس حتى في وقت انهيار النظام.
لكن ماذا عن المستقبل؟ كيف ستتمكن هذه الحكومة من إعادة هيكلة الدولة السورية بعد إسقاط النظام، وهل سيكون هناك قبول دولي للمشروع السياسي الجديد في ظل الانقسام الحاد داخل المجتمع السوري؟
5. الدرس السوري: هشاشة الأنظمة الاستبدادية
وأخيرًا، يشير قصوري إلى درس مهم خرجت به سوريا من هذا التحول: الأنظمة الاستبدادية فارغة وضعيفة عندما تفقد دعم القوى الكبرى وحلفائها، وهي تنهار عندما يفرغ منها “أداة القمع العسكرية”.
هل هذه هي الحقيقة؟ هل يمكن فعلاً الاستفادة من هذه التجربة على المستوى العربي والإقليمي لتجنب عودة الأنظمة الاستبدادية في دول أخرى؟
الختام: التغيير في سوريا: واقع أم وهم؟
بناءً على تحليل قصوري، فإن عملية التغيير في سوريا كانت مدروسة بعناية، ولكن هل هي تمثل نموذجا قابلا للتكرار في مناطق أخرى، أم أنها مجرد حالة خاصة؟ وماذا عن التحديات المقبلة بعد إسقاط النظام؟ الجواب على هذه الأسئلة سيظل مرتبطًا بالمرحلة المقبلة من الحراك السوري، والتي تتطلب جهودًا دبلوماسية وتنسيقًا داخليًا أكبر لتحقيق التغيير المنشود.