كشف مكتب الصرف أن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بلغت أكثر من 9.45 مليار درهم مع نهاية يناير 2025، مسجلة ارتفاعًا بنسبة 0.5% مقارنة بنفس الفترة من عام 2024.
هذه الأرقام تعكس الدور المحوري للجالية المغربية في دعم الاقتصاد الوطني، حيث تشكل التحويلات مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة وتمثل رافدًا أساسياً للاستقرار المالي في المغرب.
لكن في المقابل، هل تُقابل هذه المساهمة المهمة بسياسات واضحة تستجيب لتطلعات الجالية المغربية، أم أن مشاكلها ما زالت تراوح مكانها؟
تحويلات مالية.. ومشاكل عالقة
رغم أن تحويلات مغاربة العالم تساهم بشكل كبير في تحفيز الاستهلاك والاستثمار داخل المغرب، إلا أن أفراد الجالية يعانون من تحديات مزمنة لم تجد طريقها إلى الحل، من بينها:
✅ صعوبة الاستثمار داخل الوطن بسبب تعقيدات إدارية، وغياب تحفيزات واضحة تدعم انخراطهم في التنمية الاقتصادية.
✅ ضعف الحماية القانونية للممتلكات والاستثمارات التي يملكها المغاربة المقيمون بالخارج، ما يجعل البعض مترددًا في ضخ أمواله داخل البلاد.
✅ التحديات القنصلية والإدارية، حيث لا تزال الخدمات الإدارية تعاني من البطء والتعقيد، مما يعرقل تواصل الجالية مع بلدها الأم.
✅ إشكالية الاندماج المزدوج، إذ يواجه العديد من المغاربة صعوبات في دول الإقامة، إلى جانب شعورهم بعدم كفاية الاهتمام بهم في بلدهم الأصلي.
أين تكمن المفارقة؟
بينما تتجاوز تحويلات الجالية سنويًا عتبة 100 مليار درهم، لا يزال التساؤل قائمًا حول مدى استفادة المغاربة المقيمين بالخارج من هذه التدفقات المالية. لماذا لم يتم بعد تطوير برامج استثمارية حقيقية تتيح لهم فرصًا مضمونة داخل المغرب؟ وما السبب وراء تأخر تنفيذ سياسات توفر لهم التسهيلات المطلوبة في الإدارات والمؤسسات المالية؟
الاستثمارات الأجنبية ترتفع.. فماذا عن استثمارات الجالية؟
إلى جانب ارتفاع تحويلات المغاربة، شهد صافي تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة تحسنًا بنسبة 16.9% ليصل إلى 3.23 مليار درهم. كما ارتفعت الاستثمارات المغربية المباشرة بالخارج لتصل إلى 723 مليون درهم بعد أن كانت سلبية في يناير 2024.
لكن المفارقة تكمن في أن استثمارات الجالية المغربية لا تحظى بنفس الدينامية رغم مساهمتها القوية في الاقتصاد. هل السبب يعود إلى غياب تحفيزات ضريبية وإدارية تشجع أفراد الجالية على الاستثمار؟ أم أن هناك ضعفًا في استراتيجيات استقطاب رؤوس الأموال المهاجرة نحو مشاريع تنموية؟
نحو استراتيجية وطنية جديدة؟
أمام هذه الأرقام والتحديات، تبرز الحاجة إلى استراتيجية وطنية متكاملة تستهدف المغاربة المقيمين بالخارج، تقوم على:
🔹 تحسين مناخ الاستثمار عبر تقديم تحفيزات خاصة لاستقطاب تحويلاتهم نحو مشاريع تنموية مستدامة.
🔹 إصلاح إداري وقنصلي يضمن تسهيل الإجراءات الإدارية وتبسيط المعاملات لفائدة الجالية.
🔹 حماية قانونية لممتلكات واستثمارات المغاربة بالخارج للحد من النزاعات العقارية والمشاكل القانونية التي يواجهونها.
🔹 إشراك الجالية في صنع القرار من خلال تعزيز تمثيلهم في المؤسسات الوطنية، خاصة تلك المعنية بالاقتصاد والتنمية.
خاتمة: هل آن الأوان لرد الجميل للجالية؟
تبقى تحويلات مغاربة العالم ركيزة أساسية في دعم الاقتصاد الوطني، لكنها في المقابل لا تُقابل بحلول فعلية لمعالجة قضاياهم العالقة. فهل ستشهد السنوات القادمة تغييرات جذرية تضمن حقوقهم وتحقق اندماجًا اقتصاديًا واجتماعيًا حقيقيًا لهم داخل المغرب؟ أم ستظل تحويلاتهم مجرد مصدر مالي دون أي مقابل يعزز مكانتهم داخل الوطن؟