تراجع النفوذ الجزائري بين المطرقة المغربية والسندان الليبي: هل يكفي التعاون العسكري مع موريتانيا كمتنفس وحيد؟

0
72
صورة : وكالة الأنباء الموريتانية

في زيارة رسمية تستمر ثلاثة أيام، توجه الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، إلى نواكشوط بناءً على دعوة من قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية، الفريق المختار بله شعبان.




تأتي هذه الزيارة في وقت يشهد فيه النفوذ الجزائري في منطقة الساحل وشمال إفريقيا تراجعًا ملحوظًا، ما يثير التساؤلات حول مدى نجاح الجزائر في استعادة مكانتها من خلال تعزيز التعاون العسكري مع موريتانيا.

السياق والتوقيت: هل تراجع النفوذ الجزائري هو السبب؟

زيارة شنقريحة جاءت وسط تحولات جيوسياسية مهمة، حيث نجح المغرب في تعزيز نفوذه في منطقة الساحل وشمال إفريقيا بفضل دبلوماسيته الفعالة وتحالفاته الاستراتيجية.

في هذا السياق، قد يُنظر إلى زيارة شنقريحة كمحاولة من الجزائر للرد على المكاسب المغربية. السؤال المطروح: هل تعزز الجزائر موقعها الإقليمي عبر التعاون العسكري مع موريتانيا؟ أم أن هذه الخطوة تأتي كرد فعل مؤقت على تحركات المغرب التي وضعتها في موقف المدافع؟

ملف البوليساريو: ورقة ضغط أم عائق دبلوماسي؟

من الملفات التي ناقشها شنقريحة خلال الزيارة هو ملف البوليساريو الانفصالية، الذي يعتبر ذراع تحرك الجزائر في النزاع مع المغرب. البوليساريو، المدعومة من الجزائر بسخاء، استغلت الأراضي الموريتانية في هجماتها ضد القوات المغربية، ما يشكل ضغطًا على العلاقات الجزائرية-الموريتانية. هنا يبرز التساؤل: هل ستتخذ موريتانيا موقفًا حازمًا وتضغط على الجزائر لضبط تحركات البوليساريو؟ أم أن الجزائر ستظل تستخدم هذا الملف كورقة ضغط دون تقديم حلول ملموسة؟

الإرهاب والجريمة المنظمة: من المستفيد من التعاون الأمني؟

التهديدات الأمنية المشتركة، مثل نشاط الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة على الحدود الجزائرية-الموريتانية، كانت من أبرز القضايا التي تناولتها المحادثات.

تنظيم “أنصار الدين“، المرتبط بالمخابرات الجزائرية حسب تقارير دولية، يشكل تهديدًا خطيرًا. هنا يظهر السؤال: هل يمكن للجزائر إقناع موريتانيا بقدرتها على مواجهة هذه التهديدات بفعالية؟ أم أن النفوذ المغربي المتزايد في محاربة الإرهاب قد يجعل موريتانيا أكثر ميلاً لتعزيز التعاون الأمني مع المغرب؟

توغل الجيش المالي: هل يشكل تهديدًا لأمن المنطقة؟

توغل الجيش المالي في العمق الموريتاني شكل مصدر قلق مشترك للجزائر وموريتانيا. هذا التوغل يتطلب تنسيقًا أمنيًا عالي المستوى لضمان استقرار الحدود، ولكن يبقى التساؤل: هل تستطيع الجزائر لعب دور الوسيط الفعال في هذا الملف؟ أم أن الرباط باتت أكثر قدرة على لعب هذا الدور بفضل سياستها المتوازنة في المنطقة؟

تراجع النفوذ الجزائري: محاولة لاستعادة التوازن؟

وفقًا للباحث هشام معتضد، الجزائر تسعى جاهدة لاستعادة نفوذها المتراجع في المنطقة، إلا أن التحركات المغربية، خاصة تلك المتعلقة بتعزيز العلاقات الدبلوماسية والأمنية مع موريتانيا، وضعت الجزائر في موقف دفاعي. مع هذه المعطيات، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن للجزائر إعادة بناء جسور الثقة مع موريتانيا عبر التعاون العسكري؟ أم أن المغرب سيستمر في تعزيز موقعه كلاعب رئيسي في المنطقة؟

خلاصات واستنتاجات: هل تعود الجزائر إلى اللعبة الإقليمية؟

بالرغم من الجهود الجزائرية لتعزيز تعاونها العسكري والاستخباراتي مع موريتانيا، يبقى المغرب هو اللاعب الأكثر تأثيرًا واستقرارًا في المنطقة. دبلوماسية الرباط الناجحة وتحالفاتها القوية تعزز من نفوذها، في حين أن الجزائر تجد نفسها مضطرة للتعامل مع واقع جديد يتطلب رؤية استراتيجية أكثر شمولاً.

موقف الجزائر الجيوسياسي: هل تواجه حصارًا؟

الدكتور ديدي ولد السالك، أستاذ في جامعة نواكشوط ورئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، أوضح في تصريحاته لـ”القدس العربي” أن زيارة قائد أركان الجيش الجزائري تهدف بشكل أساسي إلى تعزيز العلاقات العسكرية والأمنية مع موريتانيا، في ظل ما يصفه بـ “الوضع المحاصر” الذي تعيشه الجزائر. فمن الشرق، تتاخم الجزائر ليبيا التي يسيطر على حدودها الشرقية الجنرال خليفة حفتر، المدعوم من الإمارات، الدولة التي تعيش توترًا كبيرًا مع الجزائر. ومن الغرب، يبرز المغرب كخصم تاريخي للجزائر، بينما من الجنوب، تواجه الجزائر مشاكل أمنية مع مالي بعد تدخل قوات “فاغنر” الروسية وإلغاء اتفاقية الجزائر لعام 2015.

هذا الوضع دفع الجزائر إلى البحث عن شركاء جدد أو تعزيز علاقاتها مع جيرانها، وخاصة موريتانيا، التي تشترك معها في حدود طويلة تمتد لأكثر من 1500 كيلومتر. هذه الحدود الحيوية تجعل من التنسيق الأمني والعسكري مع موريتانيا ضرورة ملحة للجزائر لتخفيف الضغوط الأمنية.

دور موريتانيا في الاستراتيجية الجزائرية: شريك أم متنفس؟

بحسب ديدي ولد السالك، على الرغم من القوة العسكرية والأمنية التي تمتلكها الجزائر، إلا أن “حصارها” من الجهات الثلاث (المغرب، ليبيا، مالي) جعلها تشعر بالاختناق والقلق الأمني المتزايد. لذلك، تعتبر الشراكة مع موريتانيا والتعاون في المجالات العسكرية والأمنية متنفسًا ضروريًا للجزائر في ظل هذه الضغوط. كما أن منطقة الساحل تمثل عمقًا استراتيجيًا للجزائر، وهو ما يجعل تعزيز علاقاتها مع موريتانيا خطوة نحو استعادة التوازن في المنطقة، سواء في المغرب العربي أو في منطقة الساحل بشكل عام.

تحليل استراتيجي: الجزائر بين ضغط الجغرافيا ومتطلبات الأمن

تحاول الجزائر من خلال زيارة شنقريحة إلى نواكشوط إعادة ترتيب أولوياتها الإقليمية ومواجهة التحديات الأمنية المتزايدة. في ظل توتر العلاقات مع المغرب، وانعدام الثقة مع الجنرال حفتر في ليبيا، وتصاعد الأزمات الأمنية في مالي مع تنامي نفوذ “فاغنر”، تجد الجزائر نفسها في وضع حساس يتطلب البحث عن حلفاء وشركاء لتخفيف هذا الضغط.

يبقى السؤال الرئيسي: هل ستنجح الجزائر في تحويل موريتانيا إلى شريك استراتيجي يمكنها من تقليل الاختناق الأمني؟ أم أن هذا التعاون سيظل محدودًا في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه الجزائر؟ وهل يمكن لموريتانيا، التي تربطها علاقات قوية مع المغرب، أن تلعب دور الوسيط بين الجزائر والمغرب لتحقيق الاستقرار الإقليمي؟

خاتمة: الجزائر أمام تحديات جديدة في المنطقة

رغم أن الجزائر ما تزال تعتبر قوة عسكرية وأمنية في منطقة المغرب العربي والساحل، إلا أن التغيرات الجيوسياسية تجعلها تواجه تحديات جديدة. زيارة شنقريحة إلى موريتانيا هي جزء من استراتيجية أوسع لإعادة بناء نفوذ الجزائر في المنطقة، ولكن يبقى السؤال: هل يكفي تعزيز التعاون العسكري مع موريتانيا لتجاوز تلك التحديات؟ أم أن الجزائر بحاجة إلى إعادة صياغة علاقاتها مع جيرانها الآخرين، بما في ذلك المغرب وليبيا ومالي، لتحقيق استقرار دائم في المنطقة؟ 

الأسئلة المطروحة:

  1. هل يمكن للجزائر استعادة نفوذها الإقليمي عبر التعاون العسكري مع موريتانيا؟

  2. هل سيضغط الجانب الموريتاني على الجزائر لضبط تحركات البوليساريو؟

  3. هل تستطيع الجزائر تحقيق مكاسب أمنية ملموسة في ظل التحديات الإرهابية والجريمة المنظمة؟

  4. ما هي الخيارات المتاحة أمام الجزائر لتجنب المزيد من التراجع في منطقة الساحل وشمال إفريقيا؟

في ضوء التحولات الجيوسياسية المتسارعة، تبقى زيارة شنقريحة إلى نواكشوط محاولة من الجزائر لاستعادة نفوذها الإقليمي المفقود. لكن يبقى السؤال الرئيسي: هل تكفي هذه الزيارة لتحقيق هذا الهدف في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه المنطقة؟