قال الكاتب الصحفي المغربي جمال السوسي : “إن الناس في المغربي لا ينفكون يرددون عبارة “يا حظ الفاسدين في هذا البلد”، فالفساد عندنا اتخذ طابع القداسة، وكبار الفاسدين لهم وضع الحصانة، أبواب الخزينة مفتحة أمامهم، ينهبون منها ما يشاؤون ليلًا ونهارًا، ولا أحد يجرؤ على محاربتهم أو انتقادهم، ومن يفعل ذلك يلق أصنافًا من التضييق والملاحقة، حتى وإن كان انتقادًا عابرًا وغير مباشر”.
وتراجعت المملكة المغربية في مؤشر مدركات الفساد 7 درجة 73 دوليًا في عام 2018 إلى 80 دوليًا في عام 2019، والتي حاولت السلطات المغربية لملمة أطرافه داخل مجلس النواب حتى لا يثير كثيرًا من البلبلة، وعقد المجلس جلسة سرية لمناقشة الوضع دون أن يخرج بتصورات واضحة لمكافحة الفساد الذي استشرى.
في بيان دعت جمعية “ترانسبرانسي” المغرب هيئات الرقابة المؤسساتية لتحمل مسؤولياتها الدستورية، ولاسيما المجلس الأعلى للحسابات، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها والنيابة العامة، وفتح تحقيق في الصفقات التي أبرمتها وزارة الصحة خلال جائحة فيروس كورونا.
وأكدت على ضرورة الاجتهاد في التحقيقات لتحديد المسؤوليات والنتائج القانونية المترتبة عنها تطبيقا لمبدأ المساءلة الدستوري، مطالبة الحكومة بمراجعة الإجراءات الحالية لتدبير الصفقات العمومية لوزارة الصحة لوقف النزيف الملحوظ في ظل استمرار الجائحة.
وقالت الجمعية إنها سبق ونبهت الحكومة إلى “الغياب شبه الكامل لتأطير الاستثناءات، مما يمثل بشكل واضح خطرا كبيرا على مستوى استغلال النفوذ و انعدام الأخلاقيات التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الفساد الذي يعرف تفشيا”.
وأضافت “لقد اتضح على أن هذا الخطر حقيقي بالفعل، إذ أشار تقرير اللجنة البرلمانية المتعلقة بتدبير 333 صفقة من ميزانية قطاع الصحة العمومية التي عززتها 3 مليارات درهم من صندوق التضامن الخاص بتدبير جائحة كورونا، إلى العديد من الاختلالات الصارخة والمتمثلة في النقص على مستوى الشفافية وانعدام تكافؤ الفرص”.
وشددت على أن هذه الاختلالات التي تمت ملاحظتها ليست شاملة، حيث أن الوثائق التي تم تقديمها للجنة من قبل وزارتي الصحة والمالية غير مكتملة مع تسليمها بتأخير لأكثر من 5 أشهر، الأمر الذي يطرح التساؤل حول مدى تطبيق قانون الحق في الحصول على المعلومات بالنسبة للمواطنين في الوقت الذي تواجه فيه مؤسسة دستورية صعوبات وعراقيل؟.
وسجلت الجمعية إبرام وزارة الصحة لعقود مع شركات غير مسجلة عندها واقتناء لوازم شديدة الحساسية غير مسجلة و/ أو مسجلة باسم شركات أخرى، وتهميش المنافسين ذوي الملفات الجاهزة ولكن لم تتم دراستها على الرغم من تذكير المعنيين لوزارة الصحة، وهي ملاحظات تشكل براهين للمحسوبية، والمعاملة المزدوجة لطلبات تسجيل الشركات والمواد، وانتهاك مبدأ المنافسة العادلة وتكافؤ الفرص.
وأكدت أن هناك ثغرة كبيرة في تراخيص استيراد أجهزة التنفس وأجهزة الأوكسجين عالية التدفق بينما توجد بدائل أقل ثمنا؛ إضافة إلى التسامح مع الترويج لمواد لم تثبت فعاليتها من قبل لجنة تقنية ودون رقابة مسبقة، وهي شروط يجب أن تكون سارية مهما كانت الظروف، مما يعرض صحة المرضى والعاملين في قطاع الصحة للخطر.
وتطرقت الجمعية إلى الاختلالات في الصفقات المتعلقة بالاختبارات المصلية بقيمة 213.918.00 درهم من حيث السعر وتواريخ انتهاء الصلاحية، ففي حين أن هذا الاختبار يباع بحوالي 40 درهما للوحدة في فرنسا مثلا، قامت الوزارة بشرائه بسعر 99 درهم بتكلفة زائدة تبلغ 59 درهما على الرغم من تواريخ انتهاء الصالحية التي لا تتجاوز 3 أشهر.
وأشارت أنه إضافة إلى هذا الهدر لأموال دافعي الضرائب، هناك استبعاد لفحوصات اللعاب التي يمكن أن تساهم في الكشف عن الوباء، وتخفيف الضغط على المستشفيات العمومية، وتخفيف العبء المالي الباهظ الذي يتحمله المواطنون، ويستفيد من هذا الوضع اختبارات الكشف عن فيروس كوفيد PCR الذي يعكس نزعة مصلحية واضحة.
وكشفت تسريبات عن المهمة الاستطلاعية التي شكّلها مجلس النواب المغربي حول الصفقات التي أبرمتها وزارة الصحة المغربية، إبان الأيام الأولى للجائحة “كوفيد 19″، معطيات تفيد بوجود اختلالات وخروقات وعقد صفقات خارج القانون وفي ظروف مشبوهة، ترجح ما كانت وسائل الإعلام المغربية قد نبهت له، شهر مارس الماضي.
ومن أهم ما تسرب من تقرير اللجنة الاستطلاعات البرلمانية حول صفقات وزارة الصحة:
* 45 شركة غير مرخص لها تعاقدت مع وزارة الصحة
*مقاولات استفادت من صفقات تفاوضية حتى دون أن تتوفر على التصريح القانوني
*إحدى الشركات حصلت على شهادة تسجيل المستلزم الطبي الذي طلبت تسجيله قبل حتى أن تحصل هي نفسها على الترخيص القانوني
*تعاقدت وزارة الصحة مع شركات غير مرخصة، وغير مسجلة، وغير مسموح لها بممارسة نشاطها في سوق المستلزمات الطبية
*كواشف وتحاليل منتهية الصلاحية تم شراؤها
إبرام صفقة بـ21 مليار سنتيم لاقتناء الكواشف والتحاليل السيرولوجية وتم أداء مبلغ 158 مليون درهم منها ولا يعرف مآل باقي الصفقة إلى حد الآن
*جزء كبير من التحاليل والكواشف السيرولوجية شبه منتهية الصلاحية ولا تتعدى مدتها شهرين فقط
* بخصوص تعامل وزارة الصحة مع الوكالة المغربية للتعاون الدولي، تم تحويل الاعتمادات المالية من قبل وزارتي الصحة والمالية عبر قرارات مشتركة من الحساب الخصوصي للصيدلية المركزية، وذلك لفائدة هاته الوكالة، بما مجموعه 862 مليون درهم، على الرغم من أن الاتفاقية كانت تنص على مبالغ في حدود 700 مليون درهم، وهو ما يعتبر مخالفة صريحة لأحكام الفصل 41 من المرسوم الملكي المتعلق بالمحاسبة العمومية، وتجاوز واضح لحجم الترخيص العمومي المسموح به
*وزارة الصحة رفضت الجواب على مراسلات المهمة الاستطلاعية.
* الوزير رفض الحضور إلى البرلمان لمناقشة التقرير.
وسجّل البرلمانيون وجود عدد من الممارسات غير القانونية، والتي تؤكد بما لا لبس فيه شبهة محاباة بعض الشركات على حساب شركات أخرى في التعاقدات المتعلقة بالطلبيات العمومية، وعدم التزام الوزارة بالقواعد المفروض على الإدارة الاحتكام إليها لدى إبراهمها صفقات عمومية.
وبحسب ما سرب عن التقرير، الوزارة بررت هذه المخالفات، ، بالطابع الاستعجالي للصفقات ، لكن أعضاء المهمة الاستطلاعية، يؤكدون أن الاستعجال لا يبرر هذه الخروقات، معتبرة ذلك “مخالفة صريحة للقانون ولصحة وسلامة المساطر القانونية الواجبة بهذا الخصوص”، كما أن هذه التعاقدات : “من شأنه تعريض صحة وسلامة المرض والأطقم الطبية وعموم المواطنين لمخاطر اقتناء هاته المنتجات من شركات تشتغل بشكل غير قانوني، ولم تخضع لمساطر وإجراءات المراقبة القبلية من قبل وزارة الصحة لقدراتها التقنية والفنية ولنوعية التجهيزات التي تتوفر عليها”.
وترى كافة الأوساط بما فيها أعضاء اللجنة الاستطلاعات أن هذا التجاوزات تستدعي، فتح تحقيق وترتيب الجزاءات القانونية.
دعت جمعية “ترانسبرانسي” المغرب هيئات الرقابة المؤسساتية لتحمل مسؤولياتها الدستورية، ولاسيما المجلس الأعلى للحسابات، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها والنيابة العامة، وفتح تحقيق في الصفقات التي أبرمتها وزارة ا