مرة أخرى يعود موضوع تزويج الفتيات بمغتصبيهن إلى واجهة النقاش العمومي، بعد واقعة الشابة إيمان من تازة التي تعرّضت لاعتداء وحشي بالسلاح الأبيض من طرف طليقها. هذه الحادثة المأساوية لا تعكس فقط مأساة فردية، بل تفضح استمرار ثقافة وقوانين تجعل من الضحية رهينة لعنف مزدوج: عنف الجريمة وعنف المجتمع.
الجمعية المغربية لحقوق الضحايا، في بلاغها الأخير، عبّرت بوضوح عن رفضها القاطع لممارسة تزويج الضحايا بمغتصبيهن، مؤكدة أن الوقت حان لسنّ نص قانوني صريح يمنع هذا “الزواج الإجباري” الذي لا يعترف لا بالعدالة ولا بالكرامة الإنسانية. رئيسة الجمعية، عائشة كلاع، لفتت الانتباه إلى أن استمرار هذه الممارسات لا يؤدي إلا إلى نتائج مأساوية كالتي عرفتها قضية إيمان، حيث تتحوّل الحياة الزوجية إلى امتداد للعنف بدل أن تكون ملاذاً آمناً.
لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هو: كيف يمكن لقانون يُفترض فيه حماية الضحية أن يتحوّل إلى أداة لإدامة معاناتها؟ أليس في ذلك مفارقة صادمة بين الشعارات الرسمية حول “المساواة” و”تمكين المرأة”، والواقع الذي يُجبر الضحية على العيش تحت سقف مغتصبها، تحت ضغط الأسرة أو بدافع “ترميم الشرف”؟
الفاعلة الحقوقية رجاء حمين، عن جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، شدّدت بدورها على ضرورة مراجعة القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، معتبرة أن هذا النص في صيغته الحالية غير كافٍ لتأمين حماية فعلية للنساء. فالقانون، وإن أعلن محاربة العنف، لا يتضمن تدابير مسطرية دقيقة تضمن التكفل بالضحايا وحمايتهن من إعادة إنتاج العنف داخل مؤسسة الزواج نفسها.
القضية، إذن، تتجاوز حدود النصوص القانونية لتضع المجتمع برمّته أمام مرآة صادمة: هل ما زلنا نقيس شرف العائلة على حساب كرامة الفتاة؟ وهل نقبل أن تُدفن صرخة الضحية داخل بيت الزوجية باسم الأعراف؟
الحلول الممكنة
من الواضح أن التحدي لا يتعلق بالوقائع المعزولة بقدر ما هو مسألة إرادة سياسية وتشريعية، فبدون نص قانوني حاسم سيظل الباب مفتوحاً أمام استمرار هذه الممارسات. وهنا تبرز عدة حلول ضرورية:
- 
سنّ نص قانوني صارم يمنع نهائياً تزويج الضحايا بمغتصبيهن، دون أي استثناءات أو تأويلات.
- 
ضمان الحماية الشاملة للضحايا عبر مراكز إيواء آمنة، مواكبة نفسية، ودعم قانوني مجاني.
- 
تجريم الضغوط الأسرية والاجتماعية التي تُمارس على الفتيات لإجبارهن على الزواج بـ”الجاني”، حمايةً لسمعة العائلة.
- 
تكوين متخصص للقضاة ورجال الأمن من أجل التعامل مع قضايا العنف الجنسي بعقلية تحمي الضحية لا أن تضعها في قفص جديد.
- 
إطلاق حملات توعية وطنية تعيد تعريف مفهوم “الشرف” باعتباره كرامة المرأة لا عبئاً يُلقى على كاهلها.


