تصريحات وزير التعليم حول تمدرس أبناء الأساتذة بالقطاع الخصوصي تثير نقاشاً حول الثقة في المدرسة العمومية

0
308

لم تكن جملة وزير التعليم العالي حين قال، مازحاً أو جاداً: “أغلب الأساتذة يدرّسون أبناءهم في الخصوصي…وبنتي كانت مسطلة وكنت كنخلّص عليها 6000 درهم للدعم” مجرد انزلاق لغوي داخل قبة البرلمان. كانت جملة مكثّفة، مشحونة بأبعاد اجتماعية وثقافية وسياسية، تكشف أكثر مما تُخفي. لأن المزحة، أحياناً، تقول الحقيقة بوضوح فجّ لا تقدر عليه الخطب الرسمية.

وهنا لم يعد السؤال: هل قال الوزير ذلك؟ فالمقطع مُوثَّق ومتداول. بل أصبح السؤال الحقيقي: لماذا أصبح هذا القول “عادياً” إلى هذا الحدّ؟

لم يمرّ تصريح وزير التعليم العالي مرور الكرام. لم يكن مجرد جملة مرتجلة ولا زلة لسان تُمحى باعتذار. حين قال الوزير ضاحكاً: “أغلب الأساتذة يدرسون أبناءهم في الخصوصي… وبنتي كانت مسطّلة وكنت كنخلّص عليها 6000 درهم للدعم”، لم يكن يمزح، حتى وإن بدا كذلك.




لأن المزاح في الثقافة السياسية ليس لعباً؛ إنه طريقة لقول ما لا نجرؤ على قوله بصيغة جدّية. والضحك هنا لا يبعث على الفرح، بل يوقظ السؤال: إذا كانت المدرسة العمومية غير كافية لأبناء مَن يديرونها ويعملون فيها… فلماذا يفترض أن تكون كافية لبقية المجتمع؟

هنا يبدأ التحقيق.
التصريح الذي وُثّق بالفيديو اعتبره البعض اعترافاً ضمنياً بوجود اختلالات في المدرسة العمومية، فيما رآه آخرون مزحة جرى توظيفها خارج سياقها.

السياق العام للنقاش

يأتي هذا الجدل في وقت يعرف قطاع التعليم نقاشاً متجدداً حول جودة النظام التربوي، وتنامي إقبال الأسر على المدارس الخصوصية. وفق معطيات رسمية، ارتفعت نسبة التمدرس بالقطاع الخاص خلال السنوات الأخيرة إلى مستويات لافتة، خصوصاً في المدن الكبرى.
ومن جهة أخرى، تشير بيانات غير رسمية إلى ازدياد لجوء الأسر إلى الدروس الخصوصية، التي أصبحت بالنسبة للكثيرين جزءاً من مسار المدرسة وليس بديلاً لها.

أساتذة يختارون الخصوصي لأبنائهم

مسألة تمدرس أبناء الأساتذة في القطاع الخصوصي ليست جديدة. عدد من الأساتذة يعترفون باختيارهم التعليم الخاص لأبنائهم لأسباب مختلفة، منها:

  • الاكتظاظ داخل الأقسام العمومية

  • غياب الاستقرار البيداغوجي بسبب الخصاص في الموارد

  • رغبة الأسر في متابعة دقيقة لأبنائها

يقول أستاذ بمدرسة عمومية في مدينة سلا:

“الاختيار لا يرتبط بعدم الاعتراف بالمدرسة العمومية، بل بظروف العمل. القسم الذي أدرّس فيه يتجاوز 40 تلميذاً، من الصعب متابعة كل تلميذ كما يجب”.

اقتصاد الدعم التربوي

مسألة الأداء الشهري للدعم الدراسي كشفت معطى آخر: اتساع سوق الدروس الخصوصية، التي أصبحت في نظر أسر كثيرة شرطاً للنجاح الدراسي.

تقول أسرة متوسطة الدخل:

“لم نكن نفكر في الدروس الخصوصية، لكن عندما بدأنا نلاحظ تفاوتاً في التحصيل، اضطررنا لذلك، رغم أن الكلفة تؤثر على ميزانية البيت”.

ثقة المجتمع في المدرسة العمومية

السؤال المركزي الذي أعاد التصريح طرحه هو مدى الثقة التي ما زال المجتمع يضعها في المدرسة العمومية. فإذا كان جزء من العاملين داخل المنظومة يختار بديلاً لها، فإن ذلك يطرح تساؤلات حول قدرة المدرسة العمومية على أداء دورها كاملاً.

يقول خبير تربوي فضّل عدم ذكر اسمه:

“المسألة ليست تقنية فقط، بل مرتبطة بصورة المدرسة كمؤسسة للترقي الاجتماعي. عندما تتراجع هذه الصورة، يصبح النقاش أكبر من جودة التدريس، ويمسّ علاقة المجتمع بالدولة”.

خاتمة مفتوحة

سواء اعتُبر تصريح الوزير مزحة أو اعترافاً غير مباشر بوجود اختلالات، فقد أعاد إلى الواجهة سؤالاً أساسياً:هل ما زالت المدرسة العمومية فضاءً قادراً على ضمان تكافؤ الفرص لجميع المغاربة؟

سؤال مفتوح… والإجابات تختلف… لكن المؤكد أنّ النقاش أصبح اليوم أكثر وضوحاً، وأكثر إلحاحاً، وأكثر صراحة من أي وقت مضى.