المناورة توقع صاحبها أحيانا في تناقضات، فتجعله يقبل الشيء وعكسه، أو يتصرف بطريقة في العلن، وأخرى بعيدة عنها تماما في السر، حيث يصعب الربط بينهما، لكن عند النظام الحاكم في الجزائر، تبدو التصرفات المتعارضة واضحة ومع ذلك يصر عليها، لأن الظروف التي تجبره على اتخاذ موقف معين أو إطلاق تصريح محدد، قد تفرض عليه شيئا مختلفا..ولم تعد هذه العادة غريبة، بل تحولت إلى ما يشبه الإدمان السياسي، لذلك ربما يفقد تبدل المواقف قيمته عند كثيرين، دولا وأشخاصا، وخلال الفترة القصيرة الماضية طفت على السطح تجليّات جعلت من هذه المسألة ظاهرة جزائرية بامتياز.
بينما رفضت الجزائر كل المبادرات العربية والدولية للوساطة بينه وبين المغرب لحلّ الخلافات، خرج وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف بتصريح أثارت استهجانا واسعا بقوله إنه “يمكن اعتبار الجزائر الأكثر ميولا إلى الإسراع في إيجاد حل مع المغرب”، الأمر الذي دفع متابعين إلى العودة إلى تصريحاته السابقة في المحافل الدولية التي تؤكد تناقض مواقفه كممثل لحكومة بلاده.
وقال عطاف، خلال استضافته في إحدى حلقات برنامج “ذوو الشأن” على منصة “أثير” التابعة لقناة الجزيرة على هامش أعمال منتدى الدوحة في نسخته الواحدة والعشرين، “إن حلم بناء المغرب العربي لا يمكن أن يُقضى عليه وأنا أنتظر اليوم الذي نعيد فيه بناءه، ودورنا ومسؤوليتنا تهيئ أرضيته”.
وتأتي تصريحات وزير الخارجية بينما تجاهلت الجزائر كل دعوات صاحب الجلالة الملك محمد السادس- حفظه الله – لاستئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين، منذ أغسطس/آب من عام 2021.
وكانت آخر هذه الدعوات في 29 يوليو/تموز الماضي، حين قال جلالة الملك المفدى محمد السادس في خطاب العرش “نسأل الله تعالى أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ويتم فـتح الحدود بين بلدينا وشعبينا، الجارين الشقيقين”. كما تجاهلت دعوة العاهل المغربي في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2018، لإعادة تنشيط اتحاد المغرب العربي.
إسبانيا تستعد لنقل”إدارة وتدبير المجال الجوي” في الصحراء المغربية إلى الرباط
وسبق للجزائر أن اتهم المغرب في أكثر من مناسبة آخرها على لسان عطاف نفسه بتعطيل عمل “اتحاد المغرب العربي”، مؤكدا أن بلاده “ليس لها أي مسؤولية في تجميد العمل في إطار المغرب العربي”، وأضاف أنه “من العبث الحديث اليوم عن عودة الروح للاتحاد المغاربي”
وبدلا من التجاوب مع مبادرات المصالحة، هاجمت وسائل الإعلام الجزائرية الأمين العام للاتحاد المغاربي الطيب البكوش بعدما أكد في سبتمبر/أيلول من عام 2022 أن “المصالحة بين المغرب والجزائر ضرورية لإعادة إطلاق بناء المغرب العربي”.
وربط محللون تصريحات عطاف بتوتر علاقات بلاده مع جوارها الجنوبي وخصوصا مالي والنيجر، وفسروه بأنه محاولة من الجزائر للتقليل من العداء والخصومة مع جيرانها والتكيف مع الضغوطات الممارسة على الجزائر من قبل جهات دولية، من خلال قراءتها لواقع دبلوماسيتها عبر العالم ومحيطها المباشر، في حين أن المواقف الحقيقية للجزائر ظهرت في أكثر من مناسبة، ووثقها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي.
كل أنظار العالم متجهة نحو غزة العزة و فلسطين، الا في الجزائر حيث استغل
وزير خارجية النظام العسكري الجزائري أحمد عطاف، احتضان الجزائر الدورة الـ20 لاجتماع وزراء خارجية أفريقيا- دول شمال أوروبا، للدفاع عن قضية الجزائر المقدسة ، عصابة البوليساريو لتقسيم المملكة المغربية.
🛑 الجزائر… pic.twitter.com/kXDEit95uj— هشام السنوسي (@Pirana_dusahara) October 17, 2023
كما أثبتت تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون الثلاثاء أمام البرلمان بالقول أن “قضية الصحراء قضية تصفية استعمار، وليس كرها بالأشقاء المغاربة”، أن كلام وزير خارجيته ليس إلا مناورة سياسة ودعاية دبلوماسية فشلت في إثبات مصداقيتها، إذ أن المغرب لا يساوم مطلقا على مسألة سيادته الوطنية الكاملة على أراضيه بما فيها الأقاليم الجنوبية، في الوقت الذي تدعم فيه الجزائر جبهة بوليساريو الانفصالية ضاربة عرض الحائط بالمواقف الأممية والمبادرات العديدة لدول محورية لحل النزاع استنادا للشرعية الدولية وحقوق المغرب التي لا لبس فيها في صحرائه.
أكد وزير الطاقة والمناجم #الجزائرى، محمد عرقاب، استعداد بلاده لتطوير وتعميق التعاون مع الشركات الصينية فى المجال المنجمى والمعدنى، على غرار مشروع منجم "غارا جبيلات" (يقع في أقصى جنوب غرب الجزائر ويعد أحد أكبر مناجم الحديد في العالم)#المصريون pic.twitter.com/PEvEuoUPxw
— المصريون (@almesryoonnews) December 27, 2023