“تصرّفات رئيس مجلس النواب: خرق دستوري أم تأويل سياسي؟ تحليل لتصريحات الدكتور منار السليمي

0
128

في سياق سياسي يشهد توترات متزايدة بين المعارضة والأغلبية داخل البرلمان المغربي، أثارت تصريحات الدكتور منار السليمي، الأستاذ الجامعي والخبير الدستوري، جدلاً واسعًا حول مدى التزام رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، بالدستور.

حيث اتهم السليمي رئيس المجلس بخرق الفصل 64 من الدستور، وذلك بعد إحالة النائبة ريم شباط، عضو المعارضة، إلى لجنة الأخلاقيات البرلمانية. فما هي أبعاد هذه القضية؟ وهل يمكن اعتبار هذه الإحالة خرقًا دستوريًا أم أنها مجرد تأويل سياسي للصلاحيات البرلمانية؟

السياق العام: إحالة النائبة ريم شباط إلى لجنة الأخلاقيات

بدأت القضية عندما أثارت النائبة ريم شباط، خلال مداخلة برلمانية، موضوع النقل الحضري، وهو موضوع يدخل ضمن اختصاص الجماعات الترابية. ووفقًا لتصريحات رئيس مجلس النواب، فإن إحالة شباط إلى لجنة الأخلاقيات جاءت بسبب “استعمالها لغة غير لائقة في مخاطبة رئيس الحكومة”، وتحويل البرلمان إلى “منصة احتجاج”. إلا أن هذه الخطوة أثارت تساؤلات حول مدى دستورية الإجراءات المتخذة ضد النائبة، خاصة في ظل وجود ضمانات دستورية تحمي حرية التعبير للنواب.

الفصل 64 من الدستور: ضمانات حماية النواب

يُعتبر الفصل 64 من الدستور المغربي أحد الضمانات الأساسية لحماية أعضاء البرلمان من أي ملاحقة قضائية أو إجراءات تأديبية بسبب آرائهم أو تصريحاتهم داخل البرلمان. ينص الفصل على أنه “لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان ولا البحث عنه ولا إلقاء القبض عليه ولا محاكمته بمناسبة إبداء رأيه أو تصويته خلال مزاولة مهامه، ما عدا إذا كان الرأي المعبر عنه يمس بالثوابت الوطنية، خاصة النظام الملكي والدين الإسلامي، أو بالاحترام الواجب للملك”.

في هذا الصدد، يرى الدكتور منار السليمي أن إحالة النائبة ريم شباط إلى لجنة الأخلاقيات تشكل خرقًا لهذا الفصل، حيث إنها تعتبر متابعة للنائبة بسبب رأي عبرت عنه خلال مداخلة برلمانية. ويطرح السليمي تساؤلاً جوهريًا: هل كانت لغة النائبة ريم شباط تمس بالثوابت الوطنية أو بالاحترام الواجب للملك؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فهل يمكن تبرير الإحالة إلى لجنة الأخلاقيات في إطار الدستور؟

تأويل الدستور: بين الحرفية والسياق السياسي

تثير هذه القضية نقاشًا حول كيفية تأويل النصوص الدستورية. فمن جهة، يرى البعض أن رئيس مجلس النواب استعمل صلاحياته التأديبية وفقًا للنظام الداخلي للمجلس، خاصة في ظل وجود مدونة أخلاقيات تحدد آليات التعامل مع المخالفات البرلمانية. ومن جهة أخرى، يرى آخرون أن هذه الإجراءات تعتبر متابعة للنائبة بسبب رأيها، مما يشكل خرقًا للفصل 64.

ويطرح السليمي تساؤلاً آخر: هل تم استعمال تأويل دستوري حرفي في هذه الحالة، أم أن السياق السياسي لعب دورًا في اتخاذ القرار؟ خاصة في ظل التوترات القائمة بين المعارضة والأغلبية، والتي قد تؤثر على قرارات رئيس المجلس.

النقل الحضري والجماعات الترابية: أين تكمن المشكلة؟

أحد الأسباب التي تم تقديمها لتبرير إحالة النائبة ريم شباط هو أن موضوع النقل الحضري يدخل ضمن اختصاص الجماعات الترابية، وليس الحكومة. إلا أن السليمي يرى أن هذا التبرير غير كافٍ، حيث إن النائبة كانت تخاطب الوزراء بصفتهم رؤساء للجماعات الترابية، وليس بصفتهم أعضاء في الحكومة. وبالتالي، فإن طرح الموضوع داخل البرلمان لا يشكل خرقًا للاختصاصات، خاصة أن الجماعات الترابية هي موضوع دستوري يمكن مناقشته في البرلمان.

البرلمان: منصة للتشريع أم للاحتجاج؟

أثارت تصريحات رئيس مجلس النواب حول تحويل البرلمان إلى “منصة احتجاج” تساؤلات حول دور البرلمان في النظام السياسي المغربي. فهل يُفترض بالبرلمان أن يكون فقط منصة للتشريع والرقابة، أم أن له دورًا في التعبير عن الاحتجاجات والانتقادات الموجهة للحكومة؟ يرى السليمي أن الاحتجاج داخل البرلمان هو جزء من العملية الديمقراطية، خاصة في ظل وجود معارضة تمثل جزءًا من الشعب. وبالتالي، فإن تقييد هذا الحق قد يُضعف دور البرلمان كمنصة للتعبير عن الرأي.

اللغة والأخلاقيات: أين تكمن الحدود؟

أحد الجوانب التي تم التركيز عليها في هذه القضية هو استخدام النائبة ريم شباط لغة اعتبرها البعض غير لائقة. إلا أن السليمي يرى أن النقاش حول اللغة يجب أن يتم في إطار ضمان حرية التعبير، خاصة أن البرلمان شهد في السابق مداخلات قوية من نواب معارضين، مثل المرحوم علي يعتة وسي الحاج إدريس بن سعيد، دون أن يتم إحالتهم إلى لجنة الأخلاقيات.

الخاتمة: بين الدستور والسياسة

في النهاية، تظل هذه القضية مثالًا على التوتر القائم بين التزامات الدستور والاعتبارات السياسية. فمن جهة، هناك ضرورة لاحترام الضمانات الدستورية التي تحمي حرية التعبير للنواب. ومن جهة أخرى، هناك حاجة إلى ضبط العمل البرلماني وفقًا لمدونة الأخلاقيات. إلا أن السؤال الذي يظل مطروحًا هو: هل يمكن تحقيق هذا التوازن دون المساس بالحقوق الدستورية للنواب؟ وهل يمكن فصل التأويل الدستوري عن السياق السياسي الذي يتم فيه؟

في ظل هذه التساؤلات، تظل قضية إحالة النائبة ريم شباط إلى لجنة الأخلاقيات موضوعًا يستحق النقاش العميق، ليس فقط من الناحية القانونية، ولكن أيضًا من حيث تأثيره على العملية الديمقراطية في المغرب.