“تضارب المصالح تحت المجهر: ماذا يقول القانون عن تصريحات رئيس الحكومة؟”

0
146

في جلسة البرلمان بتاريخ 16 ديسمبر 2024، أثار تصريح رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، جدلًا واسعًا حول مشروعية فوز شركتيه “أفريقيا غاز” و”غرين أوف أفريكا”، بالشراكة مع الشركة الإسبانية “أكسيونا”، بصفقة إنشاء محطة لتحلية مياه البحر في الدار البيضاء.

هذا التصريح أثار أسئلة جوهرية حول تضارب المصالح ودور رئيس الحكومة في الإشراف على مشاريع استراتيجية.

الفصل 36 من الدستور: نص واضح وصارم

ينص الفصل 36 من الدستور المغربي على معاقبة المخالفات المتعلقة بتضارب المصالح واستغلال النفوذ والتسريبات التي تخل بالمنافسة النزيهة.

إذا قمنا بتحليل هذا النص، فإن أي مسؤول يشغل منصبًا قياديًا يُفترض أن يمتنع عن اتخاذ قرارات قد تفيد مصالحه الشخصية أو شركاته.

في حالة رئيس الحكومة، تتداخل وظيفته كقائد للإدارة العمومية ورئيس للجنة الوطنية التي تقرر في مشاريع الشراكة بين القطاع العام والخاص مع امتلاكه لشركات تشارك في هذه المشاريع.

هذا التداخل يطرح سؤالًا قانونيًا وأخلاقيًا حول مدى توافق هذا السلوك مع الدستور.

قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP): إجراءات معقدة تحت المجهر

ينظم القانون رقم 12-86 عملية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويحدد إجراءات صارمة تشمل مرحلتين رئيسيتين:

  1. الانتقاء الأولي: اختيار الشركات التي تستوفي الشروط التقنية.

  2. الحوار التنافسي: تُدار هذه المرحلة بواسطة لجنة وطنية يترأسها رئيس الحكومة شخصيًا.

هذا الإطار القانوني يثير تساؤلًا: كيف يمكن لرئيس اللجنة أن يتخذ قرارًا لصالح شركات يملكها؟ وإذا كانت شركته قد دخلت المشروع بشراكة مع شركة أجنبية، هل تم احترام معايير الانتقاء التقني بشكل كامل؟

تصريح “مشروع مفتوح للجميع”: بين الحقيقة والمغالطة

أشار رئيس الحكومة إلى أن المشروع كان “مفتوحًا للجميع”، إلا أن طبيعة قانون PPP تعتمد على معايير محددة للانتقاء، مما ينفي فكرة الانفتاح الكامل.

تصريح أخنوش يتناقض مع حقيقة أن المشاريع الكبرى غالبًا ما تقتصر على شركات تمتلك المؤهلات التقنية والمالية المطلوبة، وهو ما يجعل مشاركة شركاته في المشروع مثار جدل.

التمويل الإسباني: دعم غير مباشر؟

صرح رئيس الحكومة بأن المشروع لم يحصل على أي دعم من الدولة، لكن الحقائق تشير إلى خلاف ذلك.

وفقًا لتقارير، حصل المشروع على قرض بقيمة 250 مليون يورو من المجلس الوزاري الإسباني بفائدة منخفضة، بالإضافة إلى 62 مليون يورو من مؤسسات مالية إسبانية أخرى. هذا التمويل يعكس دعمًا خارجيًا مباشرًا للمشروع، ويعزز من أهمية تساؤلات الشفافية.

الأبعاد السياسية والاجتماعية لتضارب المصالح

يتجاوز هذا الجدل البعد القانوني ليصل إلى التأثيرات الاجتماعية والسياسية. عندما يفقد المواطن ثقته في نزاهة الحكومة، فإن ذلك يؤدي إلى تآكل الثقة العامة في المؤسسات. كما أن اختيار شركات ذات مؤهلات محدودة قد يؤثر على جودة تنفيذ المشاريع الاستراتيجية مثل تحلية المياه.

مقترحات لتعزيز النزاهة والشفافية

  1. استقلالية اللجان الوطنية: ضرورة فصل دور رئيس الحكومة عن رئاسة اللجان التي تقرر في مشاريع كبرى.

  2. تعديل قانون PPP: إدراج ضمانات قانونية تمنع تضارب المصالح بشكل صريح.

  3. تعزيز الرقابة: إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة تنفيذ المشاريع الكبرى.

خاتمة

إن قضية تضارب المصالح التي أشار إليها مقال يوسف الحريشي ليست مجرد جدل عابر، بل هي اختبار حقيقي لمدى التزام الحكومة بمبادئ الدستور والقانون. يجب أن تكون المشاريع الاستراتيجية خالية من أي شبهات، لضمان ثقة المواطن وتحقيق التنمية المستدامة.