يبدو أن ملف الوزير محمد سعد برادة قد تجاوز منطق “الواقعة المعزولة” ليدخل، كما يوحي بذلك عرض عبد الله بوانو، في صلب نقاش أكبر: إلى أي حدّ ما يزال تضارب المصالح مجرد انزلاق فردي، وما الذي يجعل هذا النوع من الملفات يتكرر داخل بنية الحكومة بشكل يصعب تفسيره؟
في الندوة الصحافية التي عقدها رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، لم يكن الهدف مجرد الكشف عن وثائق أو عرض محاضر. كان الأمر أشبه بتشريح سياسي لمشهدٍ يتداخل فيه الاقتصادي بالعمومي، وتتحوّل فيه الحدود القانونية إلى خطوط ضبابية لا تظهر إلا حين تنفجر الأزمة.
محاضر تحمل توقيع وزير… وتساؤلات تتجاوز حدود الواقعة
بوانو قدّم وثائق قال إنها لمحاضر اجتماعات مجلس إدارة شركة “فارما بروم”، تحمل توقيع الوزير برادة في يونيو 2025، ثم محضراً آخر في شتنبر يشير إلى “اعتذاره عن الحضور”.
من الناحية الشكلية، قد يبدو الأمر اختلافاً زمنياً بين حضور وغياب. لكن القراءة السياسية التي اعتمدها بوانو تجعل من هذا التباين “مؤشراً إضافياً” على استمرار علاقة الوزير بالشركة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، رغم أن القانون المنظم لعمل الحكومة يفرض قطعاً تاماً لأي علاقة تسييرية مع القطاع الخاص.
هنا، يتجاوز السؤال حدود صحة المحاضر أو دقتها، ليمسّ جوهر الإشكال: هل يمكن لمسؤول حكومي أن يحتفظ برابط مؤسساتي، ولو شكلياً، مع شركة تشتغل في قطاع حساس مثل الأدوية دون أن ينعكس ذلك على منطق الشفافية وثقة المواطنين؟
بين الوثيقة والسياق… أين يبدأ تضارب المصالح وأين ينتهي؟
ما يثير الانتباه، في التحليل، ليس مجرد وجود اسم الوزير في المحاضر. بل تلازم هذه المعطيات مع سياق سياسي وتنفيذي يتسم ـ كما يصفه بوانو ـ بنوع من “تطبيع الحكومة مع تضارب المصالح”.
الأمثلة التي أوردها ليست عابرة:
-
سحب قوانين الإثراء غير المشروع،
-
التساهل مع احتلال الملك البحري،
-
تعديلات قانون المقالع،
-
صفقات تحلية المياه،
-
وتجاذبات الاستثمار.


