تقارب بين أكبر حزبين “البجيدي إسلامي” و”البام- ليبرالي” استعداداً للانتخابات المقبلة لقطع الطريق أمام “طموح أخنوش وحزبه”

0
358

في تقارب أملته الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، أعلن حزبا «العدالة والتنمية» (غالبية)، و«الأصالة والمعاصرة» (معارضة)، المغربيين بالمقر المركزي للحزب الحاكم بالعاصمة الرباط، حيث شكل اللقاء فرصة لتبادل الرأي والتشاور بشأن مجمل المستجدات التي تطبع الراهن الوطني.

جاء ذلك خلال لقاء تواصلي عقدته قيادتا الحزبين، مساء  السبت ، بالرباط، بمبادرة من سعد الدين العثماني الأمين العام لـ«حزب العدالة والتنمية»، متزعم الائتلاف الحكومي، وعبد اللطيف وهبي الأمين العام لـ «حزب الأصالة والمعاصرة» وهما من أكبر الأحزاب السياسية المغربية، في إطار حرص قيادتي الحزبين على التواصل المنتظم مع الأحزاب السياسية الوطنية، فرصةً لتبادل الرأي والتشاور بشأن مجمل المستجدات التي تطبع الراهن الوطني.

وعبر قيادتا الحزبين عن رفضهما مساعي جهات خارجية للإساءة للمملكة المغربية، عبر ترويج أخبار باختراق أجهزة هواتف لشخصيات عامة وطنية وأجنبية ومسؤولين في منظمات دولية، وذلك باستعمال إحدى البرمجيات المعلوماتية، وإذ يؤكدان أن لهذا الاستهداف خلفيات لا تخفى، فإنهما يُثَمِّنُان لجوء السلطات المغربية المختصة إلى تفعيل الآليات القانونية والقضائية لإعادة الأمور إلى نصابها.

واستعرضت قيادتا الحزبين، حسب البلاغ، الاستعداد لخوض الانتخابات المقبلة، وما يتسم به هذا السياق من تفاعلات وتدافعات وممارسات، وعبر الحزبان “عن رفض كل الأساليب الساعية إلى المساس بنزاهة وحرية الاقتراعات خصوصا عبر أساليب الاستعمال المريب للمال الانتخابي وكذا استعمال بعض أدوات الترغيب والترهيب ضد بعض الفاعلين الحزبيين، مما يستدعي اليقظة والتدخل الحازم من قبل السلطات المختصة للقيام بواجبها في صون الانتخابات المقبلة من عبث العابثين”. والمقصود حسب كل متتبع هو التجمع الوطني للأحرار الذي كان موضوع قضية مؤسسة جود، التي تمت تسميتها بالرشوة الانتخابية.

وأكدا على ضرورة تحمل كل الجهات الفاعلة في المسلسل الانتخابي لمسؤولياتها كل واحدة فيما يخصها، تحت سقف الدستور والقانون والتوجيهات السامية لجلالة الملك نصره الله الساهر على صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات.

ومنذ تولي وهبي منصب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة في فبراير من العام الماضي، بدأ الحزب يقوم بخطوات حثيثة لإحداث تقارب مع العدالة والتنمية خاصة بعد تنحية إلياس العماري الأمين العام السابق للحزب الذي كانت غالبية قيادات العدالة والتنمية تعتبره خصمها السياسي الأول.

وفي أول تصريح صحافي له عقب انتخابه أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة، قال وهبي إن حزبه ليست له خطوط حمراء في تحالفاته مع أي حزب سياسي في البلاد. وأكد أن لا مشكلة لديه في التحالف مع حزب العدالة والتنمية.

ويوصف “الأصالة والمعاصرة”، الذي تأسس عام 2008، بأنه “مقرب من السلطة”، وحل في المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية عام 2016، خلف “العدالة والتنمية”.

وصل حزب العدالة والتنمية المغربي ذو المرجعية الإسلامية إلى سدة رئاسة الحكومة المغربية مُستفيدا من الحراك الذي عرفه الشارع العربي إبان الثورات العربية، واستفاد الحزب كباقي الأحزاب الإسلامية في العالم العربي من هذه الموجة المُطالِبة بالتغيير والحرية للوصول إلى الحكم بعدما ظلَّت أقصى أماني قياداته أن تحصد عددا أكبر من المقاعد يُخوِّل لها تعزيز موقعها في المعارضة أو ربما المشاركة في الحكومة على أحسن تقدير. ومنذ ذلك الحين، عاش الحزب العديد من الهزّات داخليا وخارجيا، وفقد الكثير من تماسكه وبعضا من بريقه بسبب مشكلات الحكم التقليدية التي لم يكن الإسلاميون في المغرب على خبرة بطريقة تدبيرها، خصوصا تلك التي تتناقض تناقضا صارخا أحيانا مع المرجعية الإسلامية والأيديولوجية المحافظة التي عوَّل عليها إخوان الدكتور سعد الدين العثماني بقوة خلال الاستحقاقات الانتخابية.

أول رجَّة قوية هزَّت عرش العدالة والتنمية كانت إعفاء عبد الإله بنكيران من طرف الملك بسبب فشله في تشكيل الحكومة الثانية بعد تصدُّر حزبه الانتخابات التشريعية لسنة 2016 إثر تعثُّر مفاوضاته مع باقي الأحزاب، وهو ما اصطلح عليه إعلاميا بـ “البلوكاج”. جاء العثماني وقَبِلَ بجميع الشروط التي رفضها سلفه جملة وتفصيلا، وفضَّل السلامة والمشاركة في حكومة لم تُترجِم طريقة توزيع حقائبها الوزارية حقيقةَ نتائج الانتخابات، فالعدالة والتنمية الذي حصل على 125 مقعدا لم يحصل إلا على وزارات كالنقل والطاقة والشغل والأسرة وحقوق الإنسان، فيما تحصَّل حزب التجمع الوطني للأحرار صاحب الـ 37 مقعدا، الذي دخل الائتلاف الحكومي رفقة أحزاب أخرى فرضها هو نفسه، على وزارات الفلاحة والمالية والتجارة والعدل. 

لن تُشكِّل الخلافات العائق الوحيد الذي سيحاول إخوان العثماني تجاوزه أملا في ولاية ثالثة، فالعائق الأبرز سيكون بلا شك قانون “القاسم الانتخابي” الذي أُقِرَّ من طرف البرلمان المغربي إبريل/نيسان الماضي، الذي سيُمثِّل بلا شك أحد أهم العراقيل بوجه الحزب الحاكم لمواصلة الجلوس على كرسي رئاسة الحكومة. هذا القانون الذي وافقت عليه جميع الأحزاب المغربية باستثناء العدالة والتنمية ينص على حساب عدد المقاعد عن كل دائرة انتخابية على أساس أصوات الناخبين المسجلين حتى غير المصوتين منهم في هذه الانتخابات، وليس على أساس عدد الأصوات الصحيحة كما كان الأمر من قبل. وهذا يعني أن العدالة والتنمية سيخسر من 25 إلى 35 مقعدا برلمانيا حتى لو حصل على عدد الأصوات نفسه التي حصل عليها في 2016، وهو ما يعني أن أقصى ما سيتمكَّن الإسلاميون من حيازته لن يتجاوز 100 مقعد على أحسن تقدير، ومن ثمَّ يصبح تصدُّر الانتخابات أصعب بكثير من ذي قبل. ويُضاف إلى ذلك أن القانون سيُمكِّن باقي الأحزاب من تشكيل الحكومة دون إشراك العدالة والتنمية في حالة عدم تصدُّره الانتخابات، ذلك لأن عدد المقاعد البرلمانية التي يجب توافرها لتشكيل الأغلبية هو 198 من أصل 395 مقعدا متاحا. 

بدأ الصعود السريع للأحرار مباشرة بعد فوز العدالة والتنمية بانتخابات 2016، إذ نجح أخنوش فيما فشل فيه حزب الأصالة والمعاصرة خصم الإسلاميين الأبرز في ذلك الاستحقاق الانتخابي، بعدما أجبر العدالة والتنمية على عدم إشراك حزب الاستقلال شريكه الإستراتيجي في الحكومة، وأصرَّ بدلا من ذلك على تشكيل حكومة ائتلافية مع ثلاثة أحزاب أخرى من بينها الاتحاد الاشتراكي الذي رفض بنكيران مشاركته جملة وتفصيلا. أما وقد سقط بنكيران بعد إعفائه من طرف الملك بسبب “البلوكاج”، وقَبِلَ العثماني بكل هذه الشروط، بات الأحرار يُشكِّلون الآن حكومة داخل الحكومة، وأغلبية داخل الأغلبية، وصار العدالة والتنمية معزولا وحيدا وسط حكومة من المفترض أنه هو مَن شكَّلها.

طموح أخنوش وحزبه هذه المرة مختلف للغاية، فهو لا يريد لعب دور المُعرقل كما حدث سابقا، لكنه يرغب في الانتصار وإبعاد العدالة والتنمية عن الولاية الثالثة، وهو هدف خطَّط له بعناية. أولا، لم يدخل الحزب في أي صراع أيديولوجي مع الإسلاميين، عكس حزب الأصالة والمعاصرة الذي قال أمينه العام “إلياس العماري” في ندوة تقديم برنامج حزبه الانتخابي إنه جاء “للإطاحة بالإسلاميين لحماية المسلمين”. فقد قال أخنوش أثناء تصريح متلفز في مارس/آذار 2018 إن حزبه لم يأتِ لمواجهة العدالة والتنمية، ولا يريد كسر أحد، لأن للحزب تراكما تاريخيا سياسيا وقيادات ذات كفاءة عالية تريد أن تلعب الدور الذي يناسبها ويناسب ما تستطيع تقديمه للمغرب. 

هذا التصريح يؤكِّد أن طريقة تفكير الأحزاب الموالية للقصر أخذت في التطوُّر والتغيُّر، فالأحرار يعلمون أن حزب العدالة والتنمية يُتقن جيدا العزف على وتر “المظلومية الإسلامية”، كما حدث في الانتخابات السابقة، لذلك فإن من الحكمة عدم الانجرار نحو هذه الصراعات الأيديولوجية، خصوصا أن الحزب لا يملك أرضا أيديولوجية صلبة يواجه بها الإسلاميين. أما باقي مقادير وصفة إبعاد إخوان العثماني فستكون بلا شك حملة انتخابية قوية، إلكترونية وتقليدية، بجانب التعويل على الأعيان لجذب شريحة المصوتين غير المُسيَّسين، الذين تصاعد منحنى مشاركتهم الانتخابية منذ سنة 2002. هذا بالإضافة إلى تشجيع المواطنين على التصويت، لأن أي عزوف انتخابي سيكون في صالح العدالة والتنمية صاحب الكتلة الناخبة المُسيَّسة التي تُقرِّر على أُسس أيديولوجية، وأحيانا دينية.

أكاديمي مغربي، اعتبر في تصريح صحفي آنذاك، أن القيادة الجديدة لـ”الأصالة والمعاصرة” تخدم التوجه نحو إمكانية التحالف مع “العدالة والتنمية”، فيما رأى خبير سياسي وجود ملامح تقارب بينهما، ورغبة من الدولة بحدوث هذا التقارب.

في أول تصريح صحفي له عقب انتخابه، قال وهبي إن حزبه ليست لديه خطوط حمراء في تحالفاته مع أي حزب سياسي، وليس لديه مشكلة في التحالف مع “العدالة والتنمية”.

وهاتف وهبي لتهنئته بمنصبه الجديد، سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، الأمين العام لـ”العدالة والتنمية”، من أديس أبابا حيث كان يشارك في الدورة الثالثة والثلاثين للقمة الإفريقية.

لكن العثماني قال، في برنامج “ضيف خاص” على القناة الأمازيغية في 12 فبراير/ شباط الجاري، إن “موقف الحزب (العدالة والتنمية) من الأصالة والمعاصرة مازال ثابتًا لم يتغير، وتغييره يحتاج مناقشة ولقاء أُطر الحزب”.

وشكل “العدالة والتنمية” حكومتين، بتصدره نتائج انتخابات 2011 و2016، في وضع غير مسبوق بتاريخ المملكة.

ودخل “العدالة التنمية”، في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، في تحالف مع “الأصالة والمعاصرة” على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة، وهو ما مكن مرشحة “الأصالة والمعاصرة” من رئاسة مجلس الجهة.

تعليقًا على هذا التحالف، قال سليمان العمراني، نائب الأمين العام لـ”العدالة والتنمية”، في تصريح صحفي آنذاك، إن “التحالف في جهة طنجة تدبيري، وليس سياسي”.

ومضى قائلًا: “لا أقول إننا حتمًا سنتحالف مع البام (الأصالة والمعاصرة)، كما لا أقول حتمًا إننا لن نتحالف.. المعطيات السياسية والسياقات هي التي تحدد موقفنا”.

وأضاف مصباح أن “شخصية وهبي الجديدة غير المتوقعة تزيد من فرضية التقارب بين الحزبين، خصوصًا أنه يعبر عن جيل جديد مختلف، ليس من جيل التأسيس، ويتميز بمواقف مختلفة”.

وشدد على أن “العامل الأساسي في حصول التقارب بين الحزبين هو أن الدولة ترغب في هذا التقارب لأنه يُحضر لمرحلة انتقالية”، في إشارة إلى الانتخابات البرلمانية والبلدية العام المقبل.