بعد 13 سنة من الجهود الفاشلة لإصلاح قطاع التعليم، يجب الآن على المغرب ضمان إعادة تشكيل شاملة لمؤسساته من أجل السماح بتنفيذ فعال لبرنامجه الإصلاحي. كما أنه من الضروري تعزيز هذه المؤسسات لكي توفر الحماية للمواطنين وتعيد بناء ثقتهم في النظام التعليمي الوطني.
الرباط – قدم المرصد الوطني للتنمية البشرية، اليوم الثلاثاء بالرباط، نتائج تقريره حول “التنمية البشرية وواقع حال الشباب بالمغرب”، وذلك خلال ورشة نظمها بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالمغرب.
ويعالج هذا التقرير تطور مؤشرات التنمية البشرية بالمغرب في الفترة ما بين 2012 و2020، مسلطا بذلك الضوء على إشكالية الهشاشة الاجتماعية ووقع جائحة على التنمية البشرية.
كما يقدم التقرير تشخيصا معمقا لهذه الفئة، محللا تطلعاتها المختلفة ومتطلباتها المتجددة وأوجه مشاركتها المواطنة. كما يتطرق لتحليل أداء السياسات العمومية بمختلف برامجها الموجهة للشباب ومدى تكاملها والتقائيتها وفعاليتها، ويقترح عددا من الاقتراحات الكفيلة بضمان إدماج اقتصادي و اجتماعي للشباب وذلك تماشيا مع توجهات النموذج التنموي.
وأكد المرصد الوطني للتنمية البشرية في تقريره أن الشباب هم بمثابة “قدرات كامنة وجبت تعبئتها أكثر في دينامية التنمية البشرية بالمملكة”، مشيرة إلى أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما يمثلون نسبة ديموغرافية مهمة (25.3 في المائة في عام 2019 أي ما يقارب 8.9 مليون شخص تقريبا).
وأوضح أن أهمية هذه النسبة تعتبر “فرصة” ديموغرافية غير مسبوقة، وذات وقع مهم على المستويين الميكرو-اقتصادي والماكرو-اقتصادي بالمملكة، “شريطة أن يوفر اقتصادنا الوظائف اللازمة لهؤلاء الشباب، وهو المسار الذي سلكته الدول الآسيوية بنجاح منذ السبعينيات”.
وحسب التقرير، فإن هؤلاء الشباب يتميزون بمواصفات اجتماعية ومسارات متنوعة جدا، حيث إن 33.6 في المائة منهم يتابعون تكوينهم أو دراستهم فيما يتنمي 25.1 في المائة منهم إلى فئة النشيطين العاملين، مشيرا في المقابل إلى أن نسبة فئة الشباب الذين لا يتابعون دراستهم ولا يزاولون عملا ولا تكوينا تبلغ حوالي 26.3 في المائة من هذه الفئة من الشباب.
وشدد المرصد الوطني للتنمية البشرية على أن هذه الفئة من المجتمع تشكل “رأس مال بشري ثمين يجب تطويره وتنميته، بواسطة التعليم والتكوين والصحة والحماية الاجتماعية”.
وفيما يخص مجال التعليم، يضيف التقرير، فإن متوسط عدد سنوات تمدرس الفئة العمرية (15-29 سنة) يبلغ 9.1 سنة وهو ما يعادل 1.7 مرة المتوسط الوطني، ويفوق متوسط الدول ذات مستوى تنمية بشرية عال (8.3 سنوات. كما أشار التقرير إلى أن حوالي 26 في المائة من الخريجين الشباب يواجهون بطالة طويلة الأمد (سنة 2019).
من جهة أخرى، أشار المرصد الوطني للتنمية البشرية إلى أن حضور الشباب في الفضاء العمومي والسياسي والمدني “يشكل موضع تساؤل”، إذ تشير معطيات المرصد إلى أن أغلب الشباب المغربي يولون “ثقة ضئيلة” للمؤسسات السياسية.
وبخصوص السياسات العمومية للشباب، دعا المرصد إلى إعادة هيكلة تستند على رؤية مستقبلية متكاملة وتهم بالخصوص تشجيع الإنصاف بين الشباب، ومشاركة الشباب في وضع السياسات العمومية، وإضفاء طابع التوزيع الترابي العادل لهذه الأخيرة.
واعتبر المرصد أنه من الواجب اليوم تعزيز هذه المقاربات الثلاث من خلال أجهزة تثمن مواردهم في جميع مجالات العمل التي تهمهم وتھیكل حياتهم، وهي التعليم والتكوين والتوجيه المهني والصحة والحماية الاجتماعية والمواطنة الفعالة.
من جهة أخرى، سجل التقرير الذي ، تباطؤ دينامية التنمية البشرية نتيجة الهدر المدرسي وانخفاض مستويات الدخل والادماج الاجتماعي للشباب، وهو التباطؤ الذي تم رصده بشكل أكبر خلال عام 2020 بفعل تأثير الأزمة الصحية على النمو الاقتصادي ومستوى التشغيل ودخل الأسر المعالة.
كما سجل التقرير أن الهشاشة الاجتماعية تمثل “أكبر تهديد يحدق بالتنمية البشرية”، باعتبارها تطال واحدا من أصل ثلاثة شبان نشيطين عاملين، وتؤثر على التنمية البشرية، مشيرا إلى أن هذه الهشاشة تهم 32.3 في المائة من السكان النشيطين العاملين، وهي ناجمة بنسبة 88.5 عن الهشاشة في الشغل.
يشار إلى أن المنهجية التي اعتمدها التقرير لقياس دينامية التنمية البشرية، تشمل تلك التي أوصى بها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وتلك التي طورها المرصد، والتي تعتمد مؤشر التنمية البشرية الوطني. ويأخذ هذا الأخير بعين الاعتبار السياق الوطني ومميزاته من خلال دمج ثلاثة مجالات إضافية، وهي الإطار المعيشي والتماسك الاجتماعي والأمن والاستقرار.
بيّنت دراسة أنجزتها المندوبية السامية للتخطيطسنة 2012 حول الرفاه والعيش الكريم، أن 64% من المغاربة غير راضين عن مستوى دخلهم، وأكثر من 50% غير راضين عن شغلهم، وأن 72% غير راضين عن الخدمات الصحية في بلدهم، و68% غير راضين عن الحياة الثقافية والترفيهية، وما يفوق أربعة أخماس المغاربة غير راضين عن حياتهم العائلية ومحيطهم المجتمعي. أما فيما يخص المدرسة، فما يفوق 55% غير راضين تماماً عن قطاع التعليم في بلدهم حسب إحصاءات هذه المؤسسة الرسمية.
إننا إذاً أمام حال مغربية متشائمة، تتسم بفقدان الأمل وعدم الرضى وقلة مستويات الرفاه الاجتماعي والاقتصادي. يرجع هذا أساساً إلى تعثر مسلسل التنمية الاقتصادية في المغرب، الذي يرجع بدوره لفقدان الثقة بين المواطنين في قدرة مؤسسات بلدهم على حمايتهم وحماية ملكيتهم مما يجعل الاستثمار في التعليم في نظرهم استثماراً لا عائد من ورائه. لقد عاشت أجيال مغربية كثيرة في ظل شبح الهجرة إلى الخارج، ومغادرة البلد. وذلك له تأثيرات خطيرة على جودة الرأسمال البشري المغربي ونموه وتطوره.
تعتبر قلة المحفزات على العيش في البلد، وانعدام الثقة في مؤسساته السياسية والاقتصادية ظاهرتين رافقتا أجيالاً من المغاربة. وكان لذلك نتائجه المباشرة على المستوى الاجتماعي، حيث بدأت موجة من الانتفاضات الاجتماعية والسياسية منذ سنة 2011، وما تزال مستمرة في الضغط على المؤسسات السياسية الحالية بقصد تحسينها أو تغييرها في أحيان أخرى. لقد ألقى هذا المناخ المؤسساتي بثقله على المدرسة المغربية وعلى جودة مخرجاتها. وتكاد المقولة المغربية الشهيرة: “آش دارو اللي قراو؟” (ماذا حقق أولئك الذين درسوا؟) أن تصبح عملة وطنية. وترتبط المدرسة في المخيال الثقافي للمواطن المغربي بعدد من الظواهر السيئة وكثير من الأفكار السلبية.
تحملت المدرسة المغربية في الواقع فشل المؤسسات السياسية والاقتصادية في تحفيز المواطن بالاستثمار في المستقبل في بلد لم يكن يرى فيه لنفسه مستقبلاً. ومع مرور الوقت أصبح إصلاح المدرسة المغربية مستحيلاً من دون تدشين إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية. وهو نهج وإن بدأ منذ سنوات لكنه يسير بشكل بطيء في بلد يبدو أن السرعة التي يتحرك بها الأفراد فيه أعلى من سرعة إصلاحات الدولة.
بدءً دي بدء يجب أن يبدأ نهج إصلاح التعليم في المغرب من حيث يجب أن يبدأ إصلاح المؤسسات وتمتينها لتحمي الأفراد وملكياتهم. وعلى هذا المستوى يجب أن تباشر الدولة إصلاحات حقيقية على مستوى:
-
المؤسسات السياسية: من خلال تنفيذ إصلاحات سياسية مؤسساتية، تدعم التعددية السياسية، والرقابة على الحكومة من خلال برلمان يتمتع بصلاحيات كما هو متعارف عليها في الديمقراطيات البرلمانية. وتوسيع هامش الحريات المدنية وحرية التعبير وحماية حقوق الإنسان. وإصلاح النظام القضائي لضمان سرعة البتّ في القضايا وشفافية القضاء واستقلاليته عن القوى ذات النفوذ وتطهيره من كل مظاهر الفساد.
-
المؤسسات الاقتصادية: من خلال دعم حماية حق الملكية، الذي يعتبر أهم حق اقتصادي بالنسبة لأي فرد. وضبط معدلات التضخم حماية للقدرة الشرائية للأفراد. وتحسين مناخ الأعمال وسن تشريعات تدعم حرية السوق والمبادرة الحرة. وتحسين سوق العمل من خلال رفع القيود التي تعيق دينامية التشغيل، وتخفيف جمود القوانين الحالية. إن الاقتصاد المغربي في حاجة إلى جرعات تحرير جديدة، ترسخ التنافسية والحوكمة الجيدة والانفتاح على الرأسمال الأجنبي من خلال جذبه عن طريق إصلاحات مؤسساتية حقيقية.
إن هذه الإصلاحات المؤسساتية وغيرها هي وحدها الكفيلة بإعطاء أمل في المستقبل للفرد المغربي، الذي يشكل جوهر المدرسة المغربية. فمن دونه لا يمكن إصلاح هذه المؤسسة الاجتماعية والتربوية المهمة لتنمية البلد.
الإدريسي : وزارة “بنموسى” تغير رأيها بشأن تأجيل اجتماع مع النقابات إلى 14 دجنبر الجاري