كانت بلدان المغرب العربي فريسة الاستعمار الفرنسي طوال فترة قرن من الزمن، وعملت المؤسسة الاستعمارية على محو اللغة العربية من خلال عدة إجراءات تعسفية كفرض التعليم بلغتها والتعامل الإداري بلغة المستعمر، كما كانت فرص العمل متاحة للذين يجيدون اللغة الفرنسية وغيرها من الآليات التي تمكنها من فرض منطقها الاستعماري انطلاقا من المبدأ الذي مفاده “إذا أردت أن تقضي على هوية شعب فاقض على لغته”، وربما نجحت في ذلك إلى حد ما.
وحاولت السلطات السياسية القائمة في بلدان المغرب العربي الكبير بعد الاستقلال إعادة بعث اللغة العربية في وسط مجتمعاتها وفي أوساط النشء بصفة خاصة، مع محاولة إدماج العمال في المنظومة اللغوية التي ارتأتها هذه السلطات.
كشف تقرير “وضعية النشر والكتاب في المغرب” لسنة 2022، الذي أصدرته مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء، مؤخرا، أن اللغة العربية هي اللغة الأكثر استعمالا في قطاع النشر بالمملكة سيما في مجالات الأدب والعلوم الإنسانية والاجتماعية.
وأكد التقرير أن حصيلة النشر المغربي لسنة 2022 بلغت ما قدره 1320 عنوانا 90 في المائة منها ورقي، و10 في المائة رقمي، موضحا أن توزيع هذه المنشورات من الكتب حسب اللغات يؤكد أن اللغة العربية هي الأكثر استعمالا في قطاع النشر، سيما في الحقول المعرفية التي يغطيها هذا التقرير.
وحسب المصدر ذاته، فإن حصيلة المنشورات المغربية الورقية والرقمية خلال سنة 2022 تبرز أن استعمال اللغة العربية في مجالات الإنتاج الأدبي والفكري لا يزال في تصاعد، حيث تجاوز ما نسبته 79 في المائة.
وسجل التقرير أن إيقاع النشر باللغة الفرنسية في المقابل قد استمر في الانخفاض، “حيث لا تكاد هذه اللغة تمثل سوى نسبة 42ر17 في المائة من حصيلة المنشورات المغربية خلال السنة ذاتها، فيما ما تزال اللغتان الإنجليزية والاسبانية في حدودهما الدنيا بنسبة بلغت على التوالي 58ر2 و38ر0.
وفي ما يتعلق بتوزيع المنشورات (الورقية والرقمية) حسب المجالات المعرفية، يشير التقرير إلى أن الإبداع الأدبي المغربي (الرواية، القصة القصيرة، الشعر، النص المسرحي..)، يشغل مكانة أساسية في مجال النشر بالمغرب، حيث احتل مكانة بارزة خلال سنة 2022 بنسبة 71ر18 في المائة من مجموع الكتب المنشورة (247 عنوانا)، متبوعا بالدراسات القانونية (242 عنوانا بنسبة 33ر18 في المائة)، والتاريخ (152 عنوانا بنسبة (52ر11 في المائة)/ ثم الدراسات الإسلامية (127 عنوانا)، والدراسات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية (118 عنوانا).
من جهة أخرى، أشار التقرير إلى أن حصيلة ما نشره المؤلفون المغاربة في الخارج خلال سنة 2022 بلغت 282 كتابا منها 90 عنوانا بفرنسا و81 عنوانا في بلاد الشام، و50 عنوانا في منطقة الخليج، في حين كان نصيب منطقة المغرب الكبير (خاصة تونس) 14 عنوانا.
إقرأ أيضاً مدير مكتب تنسيق التعريب بالرباط : عملية إنتاج المعرفة ونشرها وترجمتها تشهد منعطفا بنيويا
يشار إلى أن مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء، دأبت على إصدار تقرير “وضعية النشر والكتاب في المغرب” سنويا تزامنا مع فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب.
ويضم التقرير معلومات بيبليومترية مفصلة عن المنشورات المغربية، الورقية والرقمية، في مجالات الأدب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وفق مؤشرات متعددة منها اللغات والمجالات المعرفية، والترجمات، وخصائص خارطة النشر، والطبع عبر أنحاء التراب الوطني، فضلا عن إصدارات المؤلفين المغاربة في الخارج (الكتب خاصة)، وذلك بهدف التعريف بأحد مظاهر حضور الإنتاج الفكري المغربي في الساحات الثقافية العربية والأجنبية.

لقد استمرت سياسة التعريب إلى وقت قريب، وتؤكد السلطات الرسمية في المناسبات الوطنية على الطابع الرسمي للغة العربية وتتعهد بحمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، وهي بذلك تؤكد على تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية الإسلامية، وتوطيد وشائج الأخوة والتضامن مع شعوبها الشقيقة.
لكن بعض المثقفين تنبهوا إلى أن الشباب الذين حضنتهم المدرسة المعربة لا يحسنون استعمال اللغة العربية، ولا يفقهون أصولها بل يسعون إلى خلق لغة جديدة لا هي بالفرنسية ولا هي بالعربية بل مزيج بين الاثنتين، وأكبر مثال عن ذلك لغة الرسائل الإلكترونية التي تكتب بالحروف الفرنسية ولكنها عربية المعنى، وربما كان هذا الإبداع نتيجة تأثر الشباب بحضارة الغرب وبفرنسا تحديدا.



