في الوقت الذي يستعدّ فيه المغرب لإنجاح رهان تعميم الحماية الاجتماعية لفائدة جميع المواطنين، ومحاربة العجز في مجال الأطر الصحية، كشف تقرير برلماني، اليوم الأربعاء، أنّ عدد الأطباء المغاربة الذين اختاروا الهجرة ومغادرة البلاد ارتفع إلى نحو 7000 طبيب، في وقت يحتاج المغرب إلى أكثر من 32 ألف طبيب.
وبحسب ما جاء في تقرير أعدّته مجموعة العمل الموضوعاتية حول المنظومة الصحية في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، فإنّ البلاد تعاني بحدّة من مشكلة النقص في الموارد البشرية بسبب الهجرة إلى الخارج أو الاستقالة من الوظيفة العمومية.
وأفاد التقرير، بأنّ هجرة الكفاءات تؤدّي إلى نقص حاد في عدد الكوادر الطبية وشبه الطبية في المغرب، إذ يبلغ عددها حالياً ثمانية آلاف و442 كادراً في مجال الطب العام، و14 ألفاً و932 كادراً في مجال الطب الاختصاصي. وذلك في حين تحتاج البلاد إلى 32 ألفاً و387 طبيباً إلى جانب 64 ألفاً و774 ممرضاً وتقني صحة.
وكشف التقرير البرلماني أنّ ظاهرة هجرة الكوادر الطبية تعود إلى عوامل عدّة من بينها غياب تحفيزات من شأنها الحدّ من تلك الهجرة إلى الخارج، ومن شأنها كذلك تشجيع الأطباء على العمل في القطاع العمومي وفي المناطق والقرى النائية. ونبّه التقرير إلى أنّ ضعف التكوين المستمرّ وعدم ملاءمته مع الاحتياجات والخصوصيات الراهنة بالإضافة إلى ضعف إنتاجية بعض الأطباء ومن بينهم الجرّاحون، تأتي كأبرز التحديات المطروحة أمام القطاع الصحي في المغرب.
وكحلّ لهذه الظاهرة التي باتت تؤرّق المنظومة الصحية في البلاد، اقترحت مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بالمنظومة الصحية، رفع الحصص المالية المخصصة للقطاع الصحي وإرساء آليات تحفيزية في القطاع للحدّ من هجرة الكفاءات وتشجيع الكوادر الطبية وشبه الطبية على العمل في المناطق البعيدة، وذلك عبر تطوير منظومة الوظيفة العمومية الصحية وجعلها محفّزة وجذّابة مادياً ومعنوياً. كذلك، اقترحت العمل على توحيد التعويض عن المخاطر أثناء ممارسة المهام لفائدة مختلف مهنيّي الصحة، وبحث إمكانية التوظيف قبل الحصول على شهادة الدكتوراه مع تنويع الخبرات في القطاع الصحي، وذلك لسدّ النقص الذي تعانيه المنظومة الصحية على مستوى عديد الموارد البشرية.
تعترف الحكومة المغربية بمحدودية المنظومة الصحية الحالية. ففي جواب كتابي لوزارة الصحة على أسئلة النواب داخل قبة البرلمان، بتاريخ 26 أبريل 2021، حول استعدادات المغرب لتعميم التغطية الصحية الشاملة، لم تُخف الوزارة وقوفها على عدد من الإشكالات التي تواجه القطاع، مؤكدة “تعاقب مجموعة من الإصلاحات التي عرفتها المنظومة الصحية دون إحداث نقلة حقيقية وبلوغ الأهداف المنشودة”.
كما أشارت الوزارة، إلى النقص المزمن في الموارد البشرية، وغياب التوازن الجهوي في توزيعها: إذ تعرف الوضعية الراهنة عجزاً بنيوياً كمّياً ونوعياً في مهنيي الصحية بحاجيات تصل إلى 97.566، (32.522 من الأطباء و65.044 من الممرضين) حيث لا تتعدى الكثافة الحالية 1,7 إطار طبي لكل ألف نسمة، مما يعني أن هناك خصاصاً مُهولاً في الموارد البشرية، حسب الأرقام الرسمية.
واستطردت الوزارة في معرض جوابها مؤكدة “عدم تكافُؤ العرض الصحي الذي لا يستجيب لتطلّعات المواطنين، إذ يتميز عرض العلاجات الصحية بضعف مؤشّرات الولوج، ووجود فوارق بين الجهات وبين الوسطين القروي والحضري، وكذا تقادم البنيات التّحتية وضعف سياسة الصيانة، وعدم احترام معايير الخريطة الصحية في إحداث المؤسسات الصحية العمومية، وغياب التّحفيزات من أجل جلب القطاع الخاص وتشجيعه على الاستثمار في المجال الصحي وفقا لمعايير الخريطة الصحية.
وسجلت الوزارة في السياق ذاته، محدودية تمويل القطاع الصحي الذي يعتمد، بشكل رئيسي، على المساهمة المباشرة للأسر التي تصل إلى 50,7% وهو رقم مهول بالمقارنة مع توصيات منظمة الصحة العالمية.