تقرير رسمي: الإنتاج الوطني للحبوب ضعيف والاستغلال المفرط يهدّد الثروة المائية في المغرب

0
304

أفادت المندوبية السامية للتخطيط أن الإنتاج الوطني للحبوب ضعيف ويبقى دون المتوسط العالمي ودون متوسط دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما يدفع لمزيد من الاستيراد الذي ينعكس سلبا على الاقتصاد الوطني.

وأكدت المندوبية في الميزانية الاستشرافية لسنة 2024 أنه أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى العمل على تنمية القدرات الإنتاجية وتقليص تقلبات أداء القطاع الفلاحي، من أجل تأمين مستوى إنتاج مستقر، وقادر على الصمود في مواجهة مخاطر التقلبات المناخية، وخاصة بالنسبة لزراعة الحبوب.

وكشفت المندوبية أن مردودية زراعة الحبوب بالاقتصاد الوطني لم تسجل إلا نموا طفيفا خلال الأربعين سنة الماضية، حيث انتقلت في المتوسط من 10,4 قنطار للهكتار الواحد ​​خلال الفترة 1980-1999 إلى13,3 قنطار للهكتار الواحد فقط ​​خلال الفترة 2000-2020.

وهذا المتوسط، حسب المندوبية، يبقى دون متوسط المستوى العالمي ودون متوسط دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي سجلت متوسط ​​محصول للحبوب في حدود 15,8 و23,3 قنطار للهكتار الواحد على التوالي خلال الفترتين السابقتي الذكر.

وعزت المندوبية ضعف الإنتاج إلى التغير المناخي الذي يشهده المغرب، مثل باقي دول العالم، والذي اقترن بالاستغلال المفرط للموارد المائية، مما أدى إلى إجهاد مائي بنيوي.

ونبهت مندوبية التخطيط إلى أن الوضعية الحالية للمياه الجوفية والمياه السطحية باتت مقلقة، حيث أصبح من الصعب استرداد الخسائر المسجلة خلال سنوات الجفاف، الشيء الذي سيفرز عدة تحديات متعلقة بإنتاج الحبوب، الذي لا تزال تهيمن عليه الزراعات البورية بنسبة تصل إلى 80%.

متابعات | ندرة المياه تكشف الفشل الذريع لمخطط "المغرب الأخضر" - الأسبوع  الصحفي

وخفّضت وزارة الفلاحة مؤخرا توقعات الإنتاج للموسم الزراعي الحالي بحوالي 20 مليون قنطار (مليوني طن)، بسبب ضعف تساقط الأمطار مقارنة بالموسم الفارط، سيضطر معها المغرب إلى ضخ ميزانية إضافية لتغطية النقص عبر التوريد.

وتوقعت الوزارة في أحدث تقييماتها أن يصل محصول الحبوب للعام الحالي إلى نحو 5.51 مليون طن بزيادة 62 في المئة عن العام الماضي.

ولكن هذا الرقم يجعل البلاد بعيدة عن مستهدف زيادة المحصول إلى 7.5 مليون طن حسبما كان مفترضا في ميزانية العام الجاري.

وانخفض إنتاج الموسم الزراعي الماضي، حيث بلغ إجمالي محصول الحبوب الرئيسية في البلاد نحو 34 مليون قنطار (3.4 مليون طن)، وهو رقم ضعيف نتيجة قلة الأمطار.

ويندرج الانخفاض في إطار الهدف الذي حددته وزارة الفلاحة لتقليص المساحات المزروعة بالحبوب عبر تحويلها إلى زراعات ذات قيمة مضافة عالية، مع ما لا يقل عن 1.4 مليون مزرعة.

وكان القطاع قد حقق ارتفاعا في مردودية الهكتار الواحد خلال الفترة بين 2003 و2019 بنحو 42 في المئة ليصل إلى 17 قنطارا.

وترافق هذا الارتفاع مع انخفاض المساحات المزروعة وطنيا بالحبوب بنحو 32 في المئة، من 5.35 مليون هكتار في عام 2008 إلى 3.65 مليون هكتار في 2019.

ويحتاج المغرب سنويا إلى قرابة 10 ملايين طن من الحبوب، ويلجأ دائما إلى الأسواق الدولية لاستيراد الكمية اللازمة لتغطية عجز الإنتاج المحلي. وخلال العام الماضي استورد قرابة خمسة ملايين طن، بزيادة 23.2 في المئة على أساس سنوي.

وتتسلل التساؤلات إلى أهل القطاع بشأن ما إذا كانت الحكومة ستبقى رهينة الجفاف والظروف الدولية المتحكمة في أسعار الحبوب، أم ستعمم تقنية الزرع المباشر كآلية لتغيير ملامح المجال نظرا إلى جدواها الكبيرة وحفاظها على التربة وتحملها للتغيرات المناخية.

ويؤكد الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن قطاع الحبوب تعرض لمجموعة من المشكلات “جعلتنا ندفع فاتورة غالية جدا” بسبب سياسة المخطط الأخضر الذي اعتمد على زراعة منتجات موجهة للتصدير.

وأشار خلال حديث مع  موقع “العرب” إلى أنه “بعملية حسابية أدى ذلك الوضع، على سبيل المثال، إلى أن ما نصدره في أربع سنوات من الطماطم يمكن أن نستورده في سنة من الحبوب”.

وقال “أمام هذه التقلبات المناخية ونضوب مجموعة من آبار المياه وقلة الأمطار، فإنه بات لازما علينا أن نغير الإستراتيجية الزراعية بالاعتماد أكثر على إنتاج الحبوب”.

المغرب.. خطة للتقشف المائي لمواجهة أسوأ موسم جفاف منذ عقود | الشرق للأخبار

وأضاف “تأكد اليوم بشكل حاسم بعد الحرب الأوكرانية – الروسية أننا أصبحنا نؤدي الفاتورة بثمن غال جدا كون المغرب من بين الدول الثلاثة الأولى عربيا الأكثر استهلاكا للحبوب”.

وعرفت بداية الموسم الزراعي الحالي ظروفا مناخية غير مواتية ونقصا كبيرا في المياه وتوزيعا زمنيا غير موات لتساقط الأمطار، خاصة الفترة بين سبتمبر والأيام العشرة الأولى من نوفمبر 2022؛ مما أخر توزيع الزراعات الخريفية وأثر سلبا على حالة المراعي.

ويذهب الخبير في القطاع الزراعي، محمد الهاكش، في تصريح صحفي سابق إلى أنه يفترض من أجل تجاوز جزء من المشاكل المطروحة على مستوى تدبير المياه إعادة تصويب السياسة الزراعية بالتركيز على الزراعات التي تؤمن السيادة الغذائية، عوض اللجوء أكثر إلى تشجيع الزراعات التصديرية المستهلكة بشكل مفرط للماء.

عزيز أخنوش يتفقد عددا من المشاريع الفلاحية التنموية بجهة بني ملال خنيفرة -  التجمع الوطني للأحرار

ويعتبر أنه يجب في مسألة تدبير السياسة المائية، استحضار تأثيرات التغيرات المناخية والجفاف الذي ينعكس سلباً على حياة الفلاحين الصغار، خصوصاً في الأراضي البورية التي تعتمد على الأمطار، حيث يفترض إنجاز مشاريع تؤمن لهم الماء كي يستمروا في ممارسة الزراعة المعاشية التي تعول عليها الأسر.

واستدعى ملف الماء مثول وزير التجهيز والماء، نزار بركة، أمام الغرفة الثانية من البرلمان، إذ عبر أعضاؤها عن انشغالهم بندرة المياه في العديد من المناطق، حيث يتخوفون من الخصاص على مستوى مياه الشرب أو السقي أو تلك الموجهة للصناعة.

وينشغل المغرب بالأمن المائي، في ظل توقعات تشير إلى تراجع حصة الفرد من المياه من 3000 متر مكعب سنوياً في الستينيات من القرن الماضي، إلى 700 متر مكعب في أفق 2025، حسب تقارير رسمية.

وتهدف السياسة المائية التي ينهجها المغرب ضمان نوع من التوازن بين تأمين حاجيات الشرب والزراعة، التي تستوعب 85 في المائة من المياه. ويرتقب أن يرتفع الطلب على المياه في المملكة، في الأعوام المقبلة، في سياق متسم بتوسيع مساحة الأراضي التي تعتمد على الري.

وقد شدد المستشار بالغرفة الثانية من البرلمان، عبد الكريم مهدي، في تدخله، على ضرورة إيجاد حلول لندرة المياه، عبر تحلية مياه البحر، غير أنه أكد ضرورة أن تكون كلفة تلك المياه متماشية مع إمكانيات المزارعين والشركات الزراعية.

مندوبية التخطيط تتوقع نمو الاقتصاد 3.3% في 2023..التوقعات تفترض إنتاجاً متوسطاً للمحاصيل وانخفاضاً في الطلب الأجنبي على السلع

وأوضح المستشار بالغرفة الثانية من البرلمان أن الاستهلاك غير الرشيد للمياه أثر على المخزونات المائية، خاصة في شرق وجنوب البلاد، محيلاً على تقرير لمنظمة الزراعة والأغذية الذي أكد أن ندرة المياه يمكن أن تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في شمال أفريقيا، ومؤكدا أن مشكلة الندرة ستكلف المغرب ما بين 6 و14 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

واعتبر ممثل الاتحاد المغربي للشغل، بوشعيب علوش، أن نقص المياه في بعض المناطق يعزى إلى ضعف الحوكمة في تدبير المياه، والاستغلال المفرط في الزراعة، معتبراً أنه من غير المنطقي أن يخرج الناس للاحتجاج بسبب المياه في مناطق تعرف وجود سدود، في حين يحفر البعض الآخر الآبار في منازلهم.

ويرى أنه يتوجب اعتماد مقاربة حازمة، التي من بينها إصدار قانون للماء وتعزيز شرطة المياه حتى تتولى عملية المراقبة، في الوقت نفسه، الذي يفترض فيه تحويل فائض المياه الذي تعرفه بعض المناطق إلى تلك التي تعرف نقصاً حاداً من تلك المادة، مع فرض السقي الموضعي في الزراعة وتحلية مياه البحر.

وبدا وزير التجهيز والماء، نزار البركة، منشغلاً أكثر بندرة المياه، حيث تحدث عن التأخر الذي حدث في السابق في إنجاز بعض المشاريع، مشدداً على المراهنة على سياسة المياه التي تغطي الفترة بين 2020 و2027، والتي ستستدعي 12 مليار دولار.

واعتبر أنّ هناك قناعة تتمثل في كون الإمكانية الوحيدة التي يتوفر عليها المغرب في المستقبل من أجل مواجهة تداعيات التغيرات المائية، هي التركيز على تحلية مياه البحر، بالموازاة مع المضي في بناد السدود، حيث يراد توفير 20 سداً جديداً، تضاف إلى تلك التي تعبئ حالياً 19 مليار متر مكعب.

وأكد توجه المغرب نحو بناء 120 سداً في الثلاثة أعوام المقبلة، ضمن خطة يراد منها توفير المياه في الأرياف التي لم تسلم من تأثيرات التغيرات المناخية في الأعوام الأخيرة.

وذهب إلى أنه كان يفترض إنجاز ثلاثين عقداً حول المياه الجوفية، غير أنه لم يتم إبرام سوى عقدين، علماً أنّ تلك العقود ستؤدي إلى تعبئة المياه الجوفية بطريقة اصطناعية وتطعيم الإمدادات المائية بطرق مستمرة تحسباً للفترات التي يحدث فيها نقص في كميات المياه.

“فشل سياسات حكومة أخنوش في تشغيل الشباب”..مندوبية التخطيط: الاقتصاد الوطني سيظل معتمدا على القطاعات التقليدية

ويشدد على أنّه يجب بذل مجهود كبير على مستوى شبكة توصيل المياه الصالحة للشرب للساكنة، إذ إنّ نسبة ذلك لا تتعدى 60 في المائة، بل إن تلك النسبة تتراجع في الأرياف إلى 40 في المائة.

كما لفت ساري إلى أن هناك مخططا بدأ في العام 2020 رصدت له الدولة أكثر من 150 مليار درهم (نحو 15 مليار دولار) ويهم بناء السدود وتقنيات السقي وتحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه العادمة وربط الأحواض المائية في ما بينها.

وكشفت تقارير حديثة أن مياه نهر ملوية، أحد أكبر أنهار المغرب، تراجعت بشكل حاد إلى درجة أنه بات عاجزاً عن بلوغ مصبه في البحر الأبيض المتوسط، لأول مرة في تاريخه، ما يهدد الأراضي الزراعية والتنوع البيولوجي في المنطقة، حسب خبراء في قطاع الزراعة.

ويعاني المغرب الذي تمثل الزراعة القطاع الأساسي في اقتصاده، من توالي مواسم الجفاف في السنوات الأخيرة، وسط إجراءات حكومية تستهدف الحد من تداعيات شح المياه على هذا القطاع الحيوي.