توسم المغاربة المقيمون في الخارج في التعديلات الدستورية، التي تم إقرارها في عام 2011، خيراً، كونها ساوت بينهم وبين مغاربة الداخل في الحقوق السياسية، ونصت بشكل صريح على المواطنة الكاملة للمغربي بغض النظر عن مكان إقامته. إلا أن هذا المكتسب المهم للجالية المغربية مهدد الضياع، في ظل ما وصفه بعض أفرادها بالانتهاك لحقوقهم الدستورية، وذلك بعد صدور قرار بمنع مغاربة الخارج من التصويت المباشر في الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها الجمعة. ويسمح القرار الجديد لهم فقط بالتصويت بالوكالة، أي عن طريق تفويض شخص في المغرب للتصويت باسمهم، وهو ما اعتبر إقصاء صريحاً لهذه الشريحة التي يتجاوز عددها خمسة ملايين نسمة.
فقد ناشدت تنسيقية ممثلي الأحزاب المغربية في الخارج، يوم الأحد، الملك المفدى محمد السادس -حفظه الله – بالتدخل لضمان تمثيل المغاربة المقيمين في الخارج بمجلس النواب في الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في شتنبرالمقبل.
وأعربت التنسيقية (أحزاب مشاركة في الحكومة ومعارضة) عن رفضها لتصويت مجلس النواب ضد تعديل قانون يتضمن اقتراحا لضمان تمثيل مغاربة العالم في المجلس، قائلة في بيان إنها “تشجب هذا التوجه الإقصائي في التعاطي مع قضية ذات بعد وطني ودستوري”بحسب ما افاد به بيان التنسيقية.
جاء ذلك في بيان حمل توقيع ممثلي كل من أحزاب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري والتقدم والاشتراكية (الائتلاف الحكومي) والأصالة والمعاصرة والاستقلال (معارضة)..
وأشارت في بيانها أنها تشجب “تصويت أغلبية أعضاء مجلس النواب، في الجلسة العامة ليوم الجمعة 5 مارس الجاري، ضد تعديل القانون التنظيمي رقم 04-21 المتعلق بمجلس النواب، الذي يتضمن اقتراحا لضمان تمثيلية مغاربة العالم”.
وأضافت التنسيقية أن رفض مجلس النواب تمكين مغاربة الخارج من تمثيلهم في المجلس وحق التصويت هو “تنكر تام من طرف الحكومة والفرق النيابية وأمناء الأحزاب السياسية للالتزام السياسي والأخلاقي”.
يشار إلى أن هناك اختلافا بين الفرق البرلمانية بشأن عدد البرلمانيين الذين سيمثلون مغاربة الخارج، وكذلك عدد الدوائر الانتخابية، كما حصل هناك توافق حول اعتماد أسلوب التصويت المباشر، وإلغاء نظام التصويت بالوكالة، ومنع الترشح على من يتولى مسؤولية حكومية أو انتدابية أو عمومية في بلد الإقامة.
واعتبرت التنسيقية أن هذا التصويت يمثل خرقا سافرا للفصل 17 من الدستور، الذي ينص على أن المغاربة المقيمين في الخارج يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات”. وأفادت التنسيقية عن أملها في تدارك الأمر خلال مناقشة مشروع القانون في مجلس المستشارين.
وختمت التنسيقة بيانها قائلة: “أملنا كبير في التحكيم الملكي للملك محمد السادس، الساهر على احترام الدستور وصيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، لإنصاف الجالية المغربية وتمكينها من ممارسة حقوق المواطنة الكاملة”.
الدستور المغربي لم يحدد سقفا معينا لعدد أعضاء مجلس النواب، بخلاف مجلس المستشارين الذي نصت الوثيقة الدستورية في الفصل 63 على أنه يتكون من 90 عضوا على الأقل و120 عضوا على الأكثر، ينتخبون بالاقتراع العام غير المباشر لمدة 6 سنوات.
ووفق الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة يوجد خارج المغرب قرابة 5 ملايين مغربي في أكثر من 100 دولة، ويستقر 85 بالمئة منهم في أوروبا، ويحولون سنويا ملايين الدولارات إلى المغرب.
انتهاك للدستور و”مواطنة بالوكالة”
وينص الفصل الـ 17 من الدستور الجديد على تمتع المغاربة المقيمين في خارج البلاد “بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات”، ويتيح لهم التصويت والترشح انطلاقاً من بلد الإقامة. لذلك تعيب منظمات تعنى بشؤون المغاربة المقيمين في الخارج على القرار الجديد هذا “الخرق الدستوري”.
في هذا الصدد، اعتبر يجمال السوسي ، رئيس الرابطة العالمية للمغاربة المقيمين بالخارج والأجانب بالمغرب، الكاتب والصحفي والمخرج، إن ” القرار يعطل ما جاء في الدستور المجمع عليه سفي 2011، وينص على المشاركة في الانتخابات بالوكالة، علماً بأن المواطنة هي مواطنة كاملة وليست مواطنة بالوكالة”، مضيفاً أن ملايين المغاربة بالخارج شعروا بالغبن والاحتقار. فبينما أكثر من ستة مليون مغربي خارج البلاد يتمتعون بالمواطنة الكاملة في بلد الإقامة، وحرمون منها في بلدهم الأصل المغرب “.
تعد مطالب مغاربة العالم غير مستحيلة، لأن مطالبهم تتجلى في تنزيل مقتضيات فصول الدستور المتعلقة بالجالية، ومن ضمنها الفصل 17 الذي يضمن لمغاربة العالم حقوق المواطنة كاملة، ومنها حق الترشيح والتصويت، واستحضار التوجيهات الملكية في العديد من الخطابات السامية في هذا المضمار.
لكن يبدو أن الحكومة الحالية والحكومات السابقة مصرّةٌ على إقصاء مغاربة العالم وحرمهم من حق المواطنة كاملة، و حق الترشيح والتصويت، وبالتالي منعهم من حقهم في التمثيل في المؤسسات الدستورية. بيْد أن الحكومة الحالية السابقة، تتحمّلان المسؤولية الكبرى في ذلك، لأن الحزب الذي ترأسهما كان من أشدّ المدافعين على المشاركة الفعلية لمغاربة العالم في الانتخابات، وذلك منذ مذكرته الأولى سنة 2002، إذ كان يعتبرها ورقة ذات أولوية في برنامجه الانتخابي، لكنه بمجرد الصعود إلى الحكومة، نكص على عقبيه، كما فعل مع باقي الوعود الأخرى التي بنى بها مجده الانتخابي.