توقيف عامل عمالة الصخيرات تمارة و6 رجال سلطة وإطارين إداريين..عراقيل إدارية وثغرات قانونية تفاقم العشوائيات البناء في المغرب

0
285

حرم البناء العشوائي الخزينة العامة في المغرب من ملايين الدولارات سنوياً، بينما يعاني من يعملون على تشييد عقاراتهم من عراقيل إدارية وتعقيدات تدفعهم إلى وسطاء يخدعونهم، ما يؤدي إلى تفاقم المخالفات وقرارات بالهدم.

أكدت وزارة الداخلية، يوم الاثنين، أنها بادرت إلى توقيف عامل عمالة الصخيرات ـ تمارة، يوسف الضريس،  وستة رجال سلطة وإطارين إداريين بنفس العمالة، وذلك على ضوء النتائج التي أسفر عنها البحث الأولي للمفتشية العامة للإدارة الترابية والمتعلقة بخروقات في مجال التعمير.

وذكر بلاغ لوزارة الداخلية أن هذا القرار يأتي في إطار الحرص الدائم للوزارة على التزام ممثليها، بمختلف رتبهم، باحترام القانون وبالتطبيق الصارم للمساطر التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.

وأكد المصدر ذاته أنه سيتم تفعيل الإجراءات الإدارية المناسبة في حق المعنيين بالأمر، وفقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، فور انتهاء التحقيقات والمسطرة القضائية المفتوحة في الموضوع. 

 إذ سجلت النيابة العامة، وفق ردها على أسئلة “العربي الجديد”، 33.118 قضية بسبب مخالفات بناء خلال عام 2020 وأحالت 3828 شخصا إلى القضاء، وتوزعت المخالفات على 26.043 قضية بناء بدون رخصة، تورط فيها 26.385 شخصا، بالإضافة إلى 923 قضية إحداث تجزئة سكنية بدون رخصة يُتابع فيها 944 شخصا، وشكلت مخالفة التصميم 1778 قضية، وتورط فيها 1797 شخصا، بينما سُجلت 555 قضية بناء في ملك عمومي تورط فيها 611 شخصا، وسُجلت 3819 قضية غير محددة النوع يُتابع فيها 4091 شخصا.

يُفصل القانون رقم 12-66 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء، والمنشور في الجريدة الرسمية عدد 6501 في 19 سبتمبر/أيلول 2016، أشكال المخالفات في مجال التعمير والبناء، وتتمثل بإنجاز بناء بدون رخصة سابقة، واستعمال البناية بدون الحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة، والإخلال بضوابط السلامة، وعدم احترام متانة المباني، ومساحة المحلات، والبناء في ملك من الأملاك العامة أو الخاصة للدولة أو الجماعات الترابية، وتغيير الواجهات، والغش في المواد المستعملة في البناء.

وتشمل المخالفات أيضا إدخال تغييرات في البناء من دون رخصة، وإحداث تعديلات في التصميم من قبيل إضافة شرفة أو إلغائها لكسب مساحة داخلية في البيت، أو إضافة نوافذ، أو زيادة طابق، أو بناء مرأب تحت أرضي لا يقره تصميم البناء الأصلي، أو الزيادة في علو المحلات التجارية أسفل البناية وغير ذلك.

33.118 مخالفة في مجال التعمير والبناء في عام 2020

في المقابل، تتطلب مسطرة الحصول على ترخيص البناء، بحسب المهندس المعماري عدنان السرغيني عضو المجلس الجهوي لهيئة المهندسين المعماريين في طنجة، تقديم شهادة ملكية البقعة الأرضية، وتصميم طبوغرافي مطابق لمساحة الأرض، ثم دراسة تقنية يعدها مختبر الهندسة (خاص)، والتصميم الذي تنجزه الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، والوكالة الحضرية، إضافة إلى أداء رسوم تسجيل البقعة الأرضية، وأداء رسوم جبائية للبلدية، مشيرا إلى أن كلفة استصدار رخصة لمنزل مساحته 100 متر مربع، تصل إلى 1250 دولارا، وتستغرق مسطرة الحصول على شهادة الإذن بالبناء ما بين 6 أشهر وسنة كاملة على الأقل، وهذه التعقيدات، وفق المحامي رضوان الدحمان، تدفع من يريد بناء منزل، أو إضافة طوابق علوية، أو إجراء تغييرات هندسية على البناية، إلى اللجوء لدفع مبالغ لوسطاء يفتحون ورش البناء دون ترخيص من البلدية، ويقفلونها دون شهادة مطابقة أشغال البناء لتصميم المبنى والتي يجب أن يوقعها مهندس تابع للبلدية أو مهندس خاص بعد التحقق من مطابقة البناء على أرض الواقع للتصميم.

حيلة “الرخصة الموحدة”

اكتشف الثلاثيني سعيد اغبالو أن الرخصة التي تسلمها من الوسيط العقاري في أغسطس/ آب 2020 لبناء منزله في أكزناية تحمل رقما تسلسليا يعود لمنزل سبق أن شيد عام 2019، ولم يدرك اغبالو الأمر إلا وقت تقدمه بطلب ربط المنزل بخدمتي الماء والكهرباء بعد انتهاء أشغال البناء.

ويعدّ اللجوء إلى حيلة بناء عدة منازل برقم ترخيص مكرر، أحد أشكال التحايل العقاري الشائعة في المغرب، وفقا لعبد الإله الخضري، مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان (هيئة حقوقية غير حكومية)، والذي يستقبل شكاوى الجمهور حول عملية البناء ومعوقاتها، وضرب الخضري مثالا بالقضية رقم 20/587 المتعلقة ببناء 5 منازل في أحياء متفرقة في الدار البيضاء برقم رخصة واحدة، خلال عام 2020، وجرت ملاحقة أصحاب البنايات ومراقبين إداريين أدينوا بغرامات مالية بلغت 50 ألف درهم (5 آلاف دولار)، كما قررت محكمة الاستئناف الإدارية بالدار البيضاء هدم المنازل المخالفة.

ويعزو الخضري سهولة التحايل إلى بساطة المرجع الرقمي، إذ ترقم الرخصة بأعداد مثل 13/19 أو 125/21.

هدر ضخم للموارد

يفوت البناء غير القانوني على خزينة بلدية تطوان، شمال المغرب، أكثر من 250 مليون درهم (25 مليون دولار) سنويا، كما يفوت على خزينة بلدية طنجة نحو 550 مليون درهم (55 مليون دولار)، بحسب ما كشفه مسؤولان في قسم التعمير في البلديتين، طلبا عدم ذكر اسميهما لأنهما غير مخولين بالتصريح للإعلام، وهذه المبالغ المهدورة يفترض أن تتقاضاها البلديات ومديرية الضرائب على شكل رسوم على الأراضي غير المبنية، ومصاريف التصاميم، وشهادات الإذن بالبناء، ورخص الترميم والإصلاح.

ولا يقف الأمر عند تلك المبالغ الضائعة لأن تنامي الأحياء السكنية بشكل عشوائي يثقل كاهل البلديات بنفقات إضافية عندما يحين الوقت لتنفيذ برامج التأهيل الحضري وتجهيزها بالبنية التحتية، كما يوضح عدنان معز، رئيس مركز ابن بطوطة للدراسات وأبحاث التنمية المحلية، قائلا: “تتضاعف كلفة الطرق والبنية التحتية والإنارة العمومية والمرافق الخدماتية، لأن مافيا البناء العشوائي لا تترك أي مساحة شاغرة لبناء المدارس والمستوصفات والمساجد والأسواق والحدائق العامة”.

وتبدو خطورة الظاهرة في ما كشفه عضو مجلس النواب المغربي سابقا وعضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية محمد خيي الخمليشي، في ندوة صحافية شهر يناير/كانون الثاني عام 2016، إذ سلم المجلس المنتخب لبلدية بني مكادة، أكثر من 5 آلاف رخصة بناء غير قانونية، للمواطنين خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2015.

وتذهب مبالغ الرشى والتلاعب بالقانون، إلى جيوب من يمكن وصفهم بـ “مافيا البناء العشوائي”، وهؤلاء عبارة عن شبكة تسلسلية من الأشخاص الذين تجمعهم المصالح المتبادلة؛ مثل موثق الأراضي العقارية، وموظفين عموميين، وتجار مواد البناء، ووسطاء العقار، وشهود زور، بحسب ما قاله لـ”العربي الجديد” وسيط عقاري في بلدية أكزناية في ضواحي طنجة، رفض الكشف عن اسمه.

 
مخالفات البناء2

من المسؤول عن تفشي المخالفات؟

تضع المادة 65 من القانون المتعلق بالتعمير رقم 012.90 الصادر عام 1992 مهام معاينة المخالفات بين يدي مراقبي التعمير التابعين للولاية (المحافظة)، ويزاول المراقب مهامه بطلب من السلطة الإدارية المحلية أو مدير الوكالة الحضرية الخاضعة لوصاية وزارة إعداد التراب الوطـني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، ومن مهامها مراقبة أعمال تقسيم وتجزئة الأراضي وإقامة المجموعات السكنية والمباني عندما تكون في طور الإنجاز.

ويؤكد المراقب المتقاعد في مجال البناء والتعمير بمدينة الرباط عبد الله شناف، أن انتشار أو مواجهة مخالفات البناء يعود إلى المراقبين الإداريين، إذ لديهم تواصلا مباشرا مع مقاولي البناء أو ما يسميهم المغاربة “الطاشرون”، ومع صاحب البناية، مستدركا بالقول “لا يمكن تحميل المراقب المسؤولية وحده، لأنه يكون مرؤوسا بموظفين في أقسام التعمير، وتكبر المسؤولية لتصل في المشاريع المعمارية الكبرى إلى الجماعات المحلية، والوكالات الحضرية”، وضرب مثالا بقضية تورط فيها مدير سابق للوكالة الحضرية في مدينة مراكش، وقضت المحكمة المتخصصة بجرائم الأموال عليه بالسجن عشر سنوات في 24 يونيو/ حزيران 2021، بعدما ضُبط متلبسا في كمين أمني يتلقى رشوة مالية من مستثمر، مقابل الكف عن وضع عراقيل إدارية تتعلق بمنح الرخص اللازمة لتشييد مشروع سكني بمراكش، وآخر يتمثل في بناء عمارة من عدة طوابق.

ما سبق يؤكده عون السلطة السابق كمال وجيع قائلا: “البناء المخالف يتم عادة بالتواطؤ مع عون سلطة أو مراقب التعمير التابع لجماعته المحلية، يتفقان على أن يبني طابقا إضافيا أو منزلا بدون رخصة مقابل مبلغ مالي، حتى لا يصل تقرير المخالفة إلى السلطات المحلية، لكن عندما تكثر البنايات المشيدة بدون رخصة بشكل عشوائي، تصل شكاوى السكان الذين لديهم رخص البناء والسكن إلى السلطات المحلية والتي تقرر بعد ذلك القيام بحملات الهدم عقب إنذار المخالفين بشكل قانوني”.