ثلاثة أشهر تفصل المغرب عن تفعيل القانون الجديد للمسطرة الجنائية… ماذا يتوقع الحقوقيون والجمعيات؟

0
205

قانون المسطرة الجنائية الجديد بين الإشادة والجدل: إصلاح عميق أم تقييد للرقابة المجتمعية؟

بعد سنوات من النقاش والإعداد، نُشر أخيراً القانون رقم 03.23 المغير والمتمم لقانون المسطرة الجنائية في الجريدة الرسمية عدد 7437 بتاريخ 8 شتنبر 2025. وسيبدأ العمل بأحكامه بعد فترة انتقالية مدتها ثلاثة أشهر، ما يمنح المؤسسات والقضاء والجمعيات فرصة للاستعداد لتطبيق النصوص الجديدة على أرض الواقع. خطوة وصفتها وزارة العدل بـ”المحطة التاريخية” في مسار تحديث العدالة المغربية، لكنها في المقابل أثارت موجة من النقاش الحاد وسط الحقوقيين والجمعيات، خاصة بشأن المادتين 3 و7، اللتين يراهما معارضون تضييقاً على أدوار المجتمع المدني في مراقبة الفساد والمال العام.

مكاسب معلنة: تعزيز حقوق المتهمين والضحايا

وزارة العدل تعتبر القانون جزءاً من إرادة سياسية لترسيخ دولة الحق والقانون، مؤكدة أن النص يعزز ضمانات المحاكمة العادلة، مثل:

  • تقليص اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي وحصره في أضيق الحالات.

  • إلزامية إخبار المشتبه فيه بحقوقه منذ لحظة التوقيف.

  • تمكينه من الاستعانة بمحامٍ وخدمات الترجمة عند الحاجة.

  • توسيع حقوق الضحايا في التبليغ والدعم القانوني والاجتماعي.

  • إنشاء “مرصد وطني للإجرام” لتوجيه السياسة الجنائية بمعطيات دقيقة.

وزير العدل عبد اللطيف وهبي اعتبر أن الإصلاح يهدف إلى جعل العدالة المغربية نموذجا يحتذى إقليمياً ودولياً، ويواكب استعدادات المملكة لاحتضان كأس العالم 2030، حيث يشكل “الأمن القضائي” عنصراً في جاذبية المملكة.

بؤرة الجدل: المادتان 3 و7

المادتان الأكثر جدلاً في القانون الجديد هما:

  • المادة 3: تشترط أن لا تُفتح الأبحاث أو تُقام الدعوى العمومية في جرائم المال العام إلا بطلب من وكيل الملك لدى محكمة النقض، بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات أو تقرير من المفتشيات العامة.

  • المادة 7: تمنح الجمعيات حق التنصيب كطرف مدني فقط إذا أثبتت “المنفعة العامة” وحصلت على إذن من وزارة العدل.

الحكومة ترى أن هذه الضوابط ضرورية لضمان الإجراءات القانونية المنظمة ولتفادي الاستعمال العشوائي أو السياسي للدعاوى، بينما الحقوقيون والجمعيات يعتبرونها “تقييداً لدور المجتمع المدني في محاربة الفساد”.

أصوات من الميدان

  • المحامي م. العلوي: “المادة 3 تجعل تحريك الدعوى رهينة بإجراءات إدارية قد تطيل زمن العدالة أو تخضع لإرادة سياسية”.

  • الحقوقية س. الإدريسي: “اشتراط إذن وزارة العدل للجمعيات يتعارض مع روح دستور 2011 الذي أقرّ الديمقراطية التشاركية. كيف يمكن للمجتمع المدني أن يؤدي دوره تحت رقابة إدارية؟”

  • الباحث القانوني: “المقتضيات قد تكون تنظيمية بحتة، لضمان مصداقية القرارات ومنع التجاوزات أو توظيف القضايا سياسياً”.

أسئلة مفتوحة أمام الرأي العام والقضاء

  • هل تتعارض المادتان مع الحقوق الأساسية المكفولة بالدستور؟

  • ما المعايير لتحديد “المنفعة العامة” ومن يحكم عليها؟

  • هل يمكن أن يؤدي التطبيق العملي إلى تعطيل متابعة جرائم المال العام أو الحد من الرقابة الشعبية؟

  • كيف سيتم التوازن بين استقلال النيابة العامة والمراقبة الإدارية، وضمان عدم تسييس المساطر؟

الاستنتاج

القانون 03.23 يجمع بين عناصر إصلاحية لتعزيز حقوق المتهمين والضحايا، وبين مقتضيات تثير جدلاً حول الدور الرقابي للجمعيات والمجتمع المدني. الرهان الحقيقي هو أن الدخول في التنفيذ بعد ثلاثة أشهر سيُظهر ما إذا كانت النصوص ستصبح أدوات تحديثية للعدالة أم وسيلة بيروقراطية لتقييد المساءلة.