تعيش جبهة بوليساريو الانفصالية على وقع خيبات متتالية تجاه الوعي العالمي من حقيقة النزاع في الصحراء المغربية، وتحاول جاهدة تدارك رهانها الفاشل على الحزب الشعبي الإسباني الذي يقود المعارضة، وتسعى لإقناع الحكومة الاشتراكية الجديدة بقيادة بيدرو سانشيز بالتراجع عن الدعم العلني لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء.
ومنيت جهود الجبهة الانفصالية بفشل ذريع عدة مرات خلال محاولاتها عقد لقاءات مع أحزاب أوروبية لحشد الدعم وثني المغرب عن إدراج الأقاليم الجنوبية ضمن المدن المستضيفة لكأس العالم 2030، لكنها لم تستفد من الدرس وتحاول يائسة تغيير موقف سانشيز من قضية الصحراء في حين أنه مقتنع أن مصالح مدريد وثيقة مع الرباط.
وأعلنت الجبهة في أبريل العام الماضي2022، “تعليق” كل اتصال مع حكومة سانشيز بعد تحول موقفه لصالح الرباط من مسألة الصحراء المغربية. حيث أعلنت الحكومة الإسبانية في 18 آذار/مارس 2022 دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع”.
واستحضرت الجبهة الانفصالية هذا الأمر خلال اجتماع أمانتها العامة التي تضم زعيم الجبهة إبراهيم غالي وقيادات الصف الأول، والتي عُقدت الأحد بمخيمات تندوف في الجزائر، حيث وجهت دعوة إلى سانشيز وحكومته الجديدة من أجل التراجع عن دعم مخطط الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، مصرة على أنها “القوة” التي تتولى إدارة المنطقة.
وجاء في بيان بوليساريو أنها تعبر عن أملها في أن تقوم حكومة بيدرو سانشيز في عهدتها الثانية “بمراجعة سياستها” تجاه قضية الصحراء المغربية وذلك بعدما كانت قد وجهت دعوات مماثلة طيلة الأشهر الماضية لخصوم سانشيز.
وفي أغسطس/آب الماضي، وإثر ظهور نتائج الانتخابات العامة التي أعطت الصدارة للحزب الشعبي اليميني، الذي يقوده ألبيرتو نونوث فييخو، ظهر زعيم الجبهة الانفصالية من الجزائر متحدثا عن الموضوع حيث أدان موقف الحكومة السابقة، وطالب الحكومة القادمة بالتراجع عنه وذلك على ضوء تكليف فييخو من قبل العاهل الإسباني الملك فيليبي السادس بتشكيل الحكومة.
وحتى قبل الانتخابات السابقة لأوانها وإثر دعوة سانشيز إليها على خلفية تصدر خصمه الحزب الشعبي لنتائج الانتخابات المحلية، دعت بوليساريو الحكومة المقبلة إلى “العودة للموقف التقليدي” في إشارة إلى دعم المقترح المغربي.
وعبر تصريحات لوكالة الأنباء الإسبانية “أوروبا بريس”، هاجم ممثل بوليساريو في مدريد، سانشيز الذي كان من المتوقع أن يخسر الانتخابات وبالتالي موقعه كرئيس للحكومة، حيث كانت تراهن الجبهة على الحزب الشعبي لقيادة التجربة الحكومية المقبلة، وأورد ممثل بوليساريو أنه “يثق” في أن يتم التراجع عن دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي في حال فوز زعيم الحزب الشعبي.
وكان سانشيز قد حصل على ثقة أغلبية البرلمان، بـ179 صوتا مقابل 171 في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري ليصبح رئيسا للحكومة لولاية جديدة، مستفيدا من الائتلاف مع تحالف “سومار” ومن دعم أحزاب صغيرة بما فيها الأحزاب الكتالونية رغم حصول الحزب الاشتراكي العمالي الذي يقوده على المرتبة الثانية في الانتخابات العامة بـ121 مقعدا مقابل 137 للحزب الشعبي.
ومع أن حكومته تضم زعيمة تحالف “سومار” المحسوب على أقصى اليسار في إسبانيا يولاندا دياث التي حصلت على منصب النائبة الثانية لرئيس الحكومة وزيرة العمل والاقتصاد الاجتماعي والتي تدعم جبهة بوليساريو، إلا أنها مكونة أيضا من مجموعة من داعمي التقارب مع الرباط وفي مقدمتهم مهندس دعم الحكم الذاتي المغربي وزير الخارجية خوسي مانويل ألباريس، إلى جانب وزير الفلاحة والصيد البحري لويس بلاناس ووزير الداخلية فيرناندو غراندي مارلاسكا.
وأثار التقارب المغربي الإسباني غضب الجزائر، التي ردت على تغيير موقف مدريد بشأن الصحراء الغربية، بالتهديد بوقف شحن الغاز إلى إسبانيا، واستدعت سفيرها في إسبانيا، وعلقت معاهدة الصداقة التي دامت عقدين من الزمن معها.
لكن الجزائر فشلت في الضغط على سانشيز لتغير موقفه، لأن المغرب وظف أوراقه بقوة وثبات وحزم حتى تتراجع مدريد عن دعم بوليساريو، وكانت خطواته محسوبة وتراعي المتغيرات والتحولات الطارئة في المنطقة والعالم التي تجعل مدريد لا تغامر بضرب علاقتها مع الرباط.
وحافظت الحكومة الإسبانية على دعمها للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة الرامية لإيجاد حل لنزاع الصحراء المغربية وللمبعوث الخاص ستافان دي ميستورا، الذي عينه الأمين العام أنطونيو غوتيريش منذ سنتين لهذه القضية، ودعمت صراحة خطة الحكم الذاتي المغربية في رسالة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس في مارس/آذار 2022. من أجل الوصول لحل سياسي مقبول وعادل ودائم لهذا الصراع، وهو الموقف الذي كان بمثابة الصفعة لجبهة بوليساريو.
ويتماشى موقف سانشيز مع سياسة حزبه الإشتراكي الإسباني، والذي لم يتطرق بشكل أو بآخر لـ”تقرير المصير” كحل لنزاع الصحراء، خلال تقديمه للوثيقة المكونة من 370 إجراء والمتعلقة بالسياسات الخارجية الإسبانية.
وتحصد الدبلوماسية المغربية نتيجة حراكها الفاعل لكسب الاعتراف الدولي بقضيتها العادلة، حيث جددت الولايات المتحدة، قبل حوالي أسبوعين موقفها الثابت إزاء قضية الصحراء المغربية، مجددة تأكيد دعمها للمخطط المغربي.
وأوضح المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، أن الولايات المتحدة “تواصل اعتبار مخطط الحكم الذاتي في الصحراء جادا وذا مصداقية وواقعيا” من أجل وضع حد للنزاع المفتعل.
وأضاف المتحدث خلال لقاء صحافي في واشنطن، “ندعم بشكل كامل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة خلال عمله على تكثيف العملية السياسية الجارية تحت إشراف الأمم المتحدة حول الصحراء من أجل التوصل دون مزيد من التأخير إلى حل دائم” لهذا النزاع الإقليمي.
ويكرس تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية موقف الولايات المتحدة الثابت، الذي ساهم في الاعتراف التاريخي، سنة 2020 من طرف هذه القوة الدولية والعضو المؤثر في مجلس الأمن الدولي، بسيادة المغرب الكاملة والتامة على كامل أراضيه بما في ذلك أقاليمه الجنوبية.
من جانب آخر، وفي رد على سؤال حول الزيارة التي قامت بها مؤخرا سفيرة الولايات المتحدة في الجزائر، إليزابيث مور أوبين إلى مخيمات تندوف، أوضح ماثيو ميلر أنها تندرج في إطار زيارة نظمتها الأمم المتحدة، وجمعت عددا كبيرا من المانحين الدوليين مذكرا بأن الولايات المتحدة تعد أكبر مساهم في الجهود الإنسانية عبر العالم. وشدد المسؤول الأميركي على أنه “لم يتم إجراء أي محادثات ثنائية مع البوليساريو خلال هذه الزيارة”.
ويدحض هذا التصريح الادعاءات التي روجت لها بعض وسائل الإعلام الجزائرية، التي تحدثت عن لقاءات مزعومة بين السفيرة الأميركية وقيادات في الجماعة الانفصالية.