جدل “العلمانية”: بين تصريحات بنكيران ورسالة التوفيق: العلمانية وتدين المغاربة

0
116

شهد المشهد السياسي المغربي توتراً جديداً أثاره الجدل بين رئيس الحكومة الأسبق عبدالإله بنكيران ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، حول تصريحات الأخير بأن “المغاربة علمانيون”، وهو تصريح أثار سجالاً واسعاً حول العلاقة بين الدين والسياسة في المغرب.

فكيف يمكن قراءة هذا الجدل؟ وما هي انعكاساته على مستقبل الخطاب السياسي الإسلامي في البلاد؟

بداية الأزمة: تصريحات التوفيق وموقف بنكيران

في جلسة برلمانية، صرح وزير الأوقاف أحمد التوفيق بأن “المغاربة علمانيون”، مستنداً إلى أن أنماط عيشهم اليومي تعتمد على مبادئ عملية لا تخضع بالضرورة لتأويلات دينية متشددة. هذا التصريح أثار استياء عبدالإله بنكيران، الذي علق عليه في أحد مهرجانات حزبه الخطابية، ما دفع التوفيق لنشر رسالة رد فيها بالحجج والبراهين، مشيراً إلى أن حزب العدالة والتنمية نفسه يتبنى “نظماً غربية علمانية” في سياساته.

السؤال هنا: هل قصد التوفيق فعلاً إظهار تناقضات العدالة والتنمية، أم أن التصريح استُغل سياسياً لتصفية الحسابات؟

رسالة بنكيران: محاولة لاحتواء الجدل

بنكيران، الذي بدا مدركاً لحساسية الموضوع، وجه رسالة اعتذار إلى التوفيق، متذرعاً بأنه يتعرض لهجمات متتالية. وقال في رسالته:
“آسفني تصريحك الموجه لي عبر إحدى الصحف الإلكترونية تلومني فيه على ما صرحت به في أحد مهرجانات الحزب الخطابية، ذلك أنني أتعرض لهجمات لا يكاد يُحصيها المحصون، ولكنني لا أُبالي بمُعظمها لما أعلم من أغراض مقترفيها، إلاَّ أن رسالتك كان لها وقع آخر”.
رغم ذلك، بقيت أسئلة عالقة: هل كان الاعتذار صادقاً أم تكتيكاً سياسياً لتخفيف الضغط؟ وهل سيسهم في إنهاء الجدل أم يعمقه أكثر؟

ردود الفعل: مواقع التواصل وحرب التأويلات

أثارت تصريحات التوفيق ورد بنكيران تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. اعتبر ناشطون أن رسالة التوفيق جاءت كـ”صفعة” للخطاب الإسلامي السياسي، مشددين على أن الوزير أثبت أن الدين ليس حكراً على حزب أو تيار.

التساؤل هنا: هل تعكس هذه الردود الشعبية تحولاً في نظرة المجتمع المغربي إلى الإسلام السياسي، أم أنها مجرد رد فعل على شخصية بنكيران؟

الإسلام السياسي بين خطاب التدين والتسييس

هذا الجدل يسلط الضوء على تحديات الإسلام السياسي في المغرب، الذي يجد نفسه أمام امتحان مزدوج: من جهة، الدفاع عن تدينه أمام اتهامات “العلمانية”، ومن جهة أخرى، إثبات قدرته على التفاعل مع الواقع السياسي والاجتماعي المتغير.

السؤال الأبرز: هل يستطيع حزب العدالة والتنمية، في ظل قيادته الحالية، إعادة تعريف خطابه ليتناسب مع متطلبات المرحلة، أم أن هذه المواجهات ستؤدي إلى مزيد من التراجع في شعبيته؟

ما الذي يكشفه الجدل عن السياق السياسي المغربي؟

هذه الحادثة تشير إلى جدل أوسع في المغرب حول علاقة الدين بالدولة وحدود توظيف الخطاب الديني في السياسة. تصريحات التوفيق قد تكون إشارة إلى رغبة الدولة في ضبط هذا التوظيف، خاصة بعد التجربة الحكومية لحزب العدالة والتنمية التي أثارت جدلاً واسعاً حول قدرة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على تحقيق وعودها.

سؤال آخر يطرح نفسه: هل يمكن أن نشهد تراجعاً أكبر لتأثير الأحزاب الإسلامية على الساحة السياسية المغربية، أم أن الأحداث الحالية ستدفعها لإعادة هيكلة خطابها وبرامجها؟

خاتمة: نحو فصل جديد في العلاقة بين الدين والسياسة؟

يبقى الجدل بين بنكيران والتوفيق نموذجاً مصغراً للصراع الأوسع بين الخطابات السياسية في المغرب، حيث يتزايد النقاش حول فصل الدين عن السياسة مع الحفاظ على الهوية الدينية للمجتمع. هذا التوازن الدقيق يفرض على جميع الأطراف مراجعة مواقفها والاستعداد للتحاور بشكل بناء، بعيداً عن المزايدات التي قد تُفقدها ثقة الشارع المغربي.

السؤال الأخير: هل سينجح المغرب في تجاوز هذا الجدل نحو صياغة نموذج أكثر توازناً للعلاقة بين الدين والدولة؟