في جلسة مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أثيرت عدة تساؤلات حول مدى حرية التعبير للأئمة في المساجد، وخاصة في ظل الانتقادات الموجهة للوزارة بشأن تقليص مساحة التعبير في القضايا الدينية والوطنية.
هذا النقاش جاء على خلفية تصريحات النائبة البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد، التي تحدثت عن “حصار” يُفرض على الأئمة ومنهجية عملهم، وهو ما نفاه وزير الأوقاف أحمد التوفيق، مدعيًا أن الوزارة لا تكمم أفواه الأئمة بل تحرص على نشر قيم الاعتدال والالتزام بالمبادئ الدينية.
موقف التوفيق: توازن بين الدعوة والمبادئ الدينية
في رده على النائبة منيب، أكد التوفيق أن الوزارة لا تمنع الأئمة من التعبير عن آرائهم طالما يلتزمون بالمبادئ الأساسية للدين الإسلامي. ولكن ما الذي لم يقله الوزير هنا؟ هل يواجه الأئمة حقاً قيوداً تمنعهم من التعبير بحرية عن مواضيع معينة كالقضية الفلسطينية، التي أثارت حساسية كبيرة في الآونة الأخيرة؟
يرى التوفيق أن من مسؤولية الأئمة الابتعاد عن التحريض على الجهاد والتركيز على نشر القيم الإسلامية، وأن الحديث عن الظلم والهمجية مرحب به، لكن دعوات الجهاد لها مكان آخر.
وهنا يطرح السؤال: هل يتم منع الأئمة من الحديث عن قضايا ذات بعد سياسي حساس تحت غطاء “الحفاظ على الاستقرار السياسي”؟
تقييد الخطاب أم تنظيمه؟
أوضح الوزير أن المسؤولية تقع على الإمام (ولي الأمر) في الدعوة للجهاد، مشددًا على ضرورة استقرار الأمور دون إثارة الفوضى. ومع ذلك، يبدو أن هذا النهج يتماشى مع توجهات الحفاظ على النظام، لكن هل يعني هذا تقييداً متعمداً على الأئمة يمنعهم من التفاعل مع قضايا الأمة بحرية أكبر؟
يبدو أن الوزير يتجنب بشكل غير مباشر تأكيد ما إذا كان الأئمة يواجهون ضغوطاً في بعض المساجد لعدم الخوض في مواضيع تثير الحساسيات السياسية، كما تتهمه النائبة منيب.
فهل هناك فصل بين ما يعتبره التوفيق “دعوة للجهاد” وبين نقد الظلم وإدانة الاعتداءات الخارجية؟
تحسين أوضاع الأئمة: بين الاعتراف بالتحديات والوعود المستقبلية
من جهة أخرى، أكد التوفيق حرص الوزارة على تحسين أوضاع الأئمة المعيشية، مشيرًا إلى زيادة الرواتب وتحقيق ميزانية قياسية لدعمهم. ولكنه أضاف أن التزام الإمام ليس مجرد وظيفة، بل دور أخلاقي وعقدي. ومع ذلك، هل يُعتبر تحسين الرواتب كافياً في مواجهة ضغوط الالتزام بنمط معين من الخطاب؟ وكيف يؤثر هذا الوضع على رغبة الأئمة في تقديم خطب تعبر عن هموم المجتمع المغربي بصدق وشفافية؟
الانتقادات الموجهة لطريقة طرح النواب
انتقد التوفيق طريقة طرح النواب لتظلماتهم، معتبرًا أنها لا تساعد في الوصول إلى حلول عملية. فهل يتجنب الوزير بذلك الخوض في تفاصيل انتقادات الأئمة بشأن القيود المفروضة عليهم؟ وهل يسعى لتوجيه الحوار نحو مواضيع عامة تتعلق بالميزانية والتزام الأئمة دون التطرق إلى قضايا حساسة يعاني منها الميدان؟
الوطنية والقيم الدينية: هل يتم تضييق حدود النقاش؟
أشار التوفيق في مداخلته إلى أن الوطنية ترتبط بالمبادئ الدينية في مواجهة التحديات، داعيًا النواب للتعاون في نشر هذه المبادئ.
ومع ذلك، يُطرح هنا السؤال: هل تستعمل الوطنية كذريعة لإسكات أي خطاب ديني يُعتبر مهدداً للتماسك الداخلي؟ وهل يرى التوفيق أن دور النواب يجب أن يقتصر على دعم السياسات القائمة دون تقديم انتقادات جوهرية؟
ختاماً: حرية الأئمة بين الالتزام بالدين ومتطلبات السياسة
يثير هذا النقاش المستمر حول حرية الأئمة وقيود الخطاب تساؤلات جوهرية حول العلاقة بين الدين والسياسة في المغرب.
هل يتم تقييد الخطاب الديني تحت مظلة “الحفاظ على الاستقرار”؟ وهل يساهم ذلك في تحجيم دور الأئمة كصوت للمجتمع يعبر عن تطلعاته وتحدياته؟