جدل قانوني في البرلمان حول الدفع بعدم دستورية القوانين: هل يحمّي الحقوق أم يعقّد الإجراءات؟

0
164

جدل الدفع بعدم الدستورية في البرلمان: بين تخوف الحكومة وانتقادات المعارضة

في جلسة شهدت حوارًا متوترًا داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، واجه مشروع القانون التنظيمي رقم 35.24 حول “تحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون” سلسلة من الانتقادات والاعتراضات، في حين حاول وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، تبرير مواد المشروع وشرح خلفيات التأخير في تطبيقه.

أبرز نقطة الخلاف كانت المادة 31، التي تنص على دخول المشروع حيز التنفيذ بعد مرور 24 شهرًا من نشره في الجريدة الرسمية. واعتبر وهبي هذا التأجيل “ضرورة تنظيمية”، مرتبطًا بتكوين القضاة والمحامين وتجهيز المحاكم لتطبيق نص لم يسبق تفعيله في البلاد. في هذا الطرح، يظهر توازن دقيق تسعى الحكومة للحفاظ عليه بين احترام الدستور من جهة، وتفادي إثقال كاهل النظام القضائي بملفات قديمة أو معقدة من جهة أخرى.

الدفع بعدم الدستورية: هل هو أداة حماية أم عبء تنظيمي؟

وزير العدل شدّد على “دقة” موضوع الدفع بعدم دستورية القوانين، معتبرًا أنه يتداخل مع إعادة النظر في التنظيم القضائي، ويتقاطع مع مفاهيم الديمقراطية في مجتمع إسلامي تحكمه قيم تقليدية أحيانًا. وللرد على اتهامات “رجعية” المشروع، أشار وهبي إلى مخاطر فتح الباب أمام شكايات تعود إلى العام 1913، وهو تصريح يطرح سؤالًا جوهريًا: كيف يمكن للدولة تحقيق التوازن بين الحق في الطعن في القوانين وحماية استقرار النظام القانوني؟

في نفس السياق، أثار الوزير مسألة اشتراط أن يكون مقدم المذكرة محاميًا مقبولًا أمام محكمة النقض، ملمحًا إلى أهمية الخبرة والمعايير الدقيقة للترافع. وطرح مثالًا بالمعايير الأجنبية، مثل فرنسا، ليبرر تقييد الوصول إلى هذه المحكمة بخبرة معينة، في محاولة للحد من الاجتهادات المتباينة التي قد تضر بالتماسك القانوني.

المعارضة: تخوف من إجرائية مفرطة تفرغ المشروع من جوهره

ردود فعل المعارضة، وعلى رأسها فريق التقدم والاشتراكية، ركّزت على جانب آخر من الجدل: التحوّل المحتمل لهذا المشروع إلى آلية تنظيمية شكلية، تسيطر عليها الإجراءات الصارمة، بدل أن تكون وسيلة لحماية الحقوق والحريات كما نص عليه الفصل 133 من الدستور. وأشار الفريق إلى أن كثرة الشروط الشكلية قد تحول دون وصول المتقاضي إلى المحكمة الدستورية، ما يطرح تساؤلات حول فعالية المشروع في تحقيق الانفتاح الدستوري والتمكين الحقيقي للمواطن.

الأفق: أسئلة مفتوحة وتحديات تطبيقية

مع تحديد مكتب رئاسة لجنة العدل والتشريع موعد المناقشة التفصيلية للمشروع في الرابع والعشرين من ديسمبر الجاري، يبقى السؤال الأبرز: هل سيُصبح الدفع بعدم الدستورية أداة حقيقية لحماية الحقوق، أم سيظل حبيس الإجراءات والشروط الشكلية؟ وهل التوازن الذي تصفه الحكومة بين التنظيم والتمكين ممكن التطبيق في واقع قضائي معقد ومتعدد المستويات؟

إن مشروع القانون التنظيمي 35.24 يفتح النقاش على مستوى أعمق حول العلاقة بين القانون والدستور، بين حماية الحقوق وبين استقرار النظام القضائي، وهو جدل ربما يتجاوز مجرد نصوص القانون ليصل إلى صميم النقاش حول طبيعة الديمقراطية والعدالة في المغرب اليوم.