“جرش 39”.. عندما تتحول الثقافة إلى خطاب دولة: هل ينجح المهرجان في ترسيخ الهوية ومواجهة التفاهة الفنية؟

0
96

في زمن عربي تشهد فيه الثقافة تراجعات مقلقة لصالح الترفيه السطحي، وفي لحظة سياسية تتداخل فيها الهوية الوطنية مع ضغوط العولمة، يعود مهرجان جرش للثقافة والفنون في نسخته التاسعة والثلاثين، تحت شعار يحمل نَفَسًا سياديًا واضحًا: “هنا الأردن.. ومجده مستمر”.

ليس مجرد مهرجان فني عابر، بل حدث ثقافي استراتيجي يتجاوز الطرب والشعر ليحمل خطابًا سياسيًا غير معلن، يعيد تأكيد ثوابت الدولة الأردنية: التعددية، الانفتاح، التاريخ، والمجتمع المتماسك.

من الترفيه إلى السيادة الثقافية: هل تنجح النخب الثقافية حيث تفشل السياسة؟

وزير الثقافة الأردني، مصطفى الرواشدة، وضع المهرجان في قلب مشروع وطني شامل، معتبرًا أن جرش يُجسد “الأمن الثقافي”، ويحمل سردية الدولة الأردنية الحضارية، ويمثل جزءًا من رؤية التنمية المستدامة الممتدة على مدى قرن. فهل يمكن أن نقرأ هذه المقولة كتأكيد على أن الثقافة أصبحت رديفًا للسيادة، وأداة لمواجهة التفاهة الرقمية وسطحية بعض المنصات الترفيهية؟

التوازن الصعب: بين نجومية الطرب وخطاب الدولة

يشهد برنامج هذه الدورة حضورًا عربيًا كثيفًا لنجوم كبار من لبنان وسوريا والخليج ومصر، مثل أحلام، ميادة الحناوي، ناصيف زيتون، أصالة، محمد حماقي، ملحم زين، وغيرهم، ما يطرح سؤالًا جوهريًا:
هل نحن أمام توازن بين الثقافة الشعبية والفن الرفيع، أم أمام هيمنة لثقافة الاستعراض على حساب مضمون الرسالة؟

فبين صوت عمر العبداللات الذي يفتتح المهرجان، وميكروفونات جوزيف عطية وخالد عبد الرحمن، هل يستمر مهرجان جرش في الحفاظ على شخصيته الثقافية، أم أنه ينجرف تدريجياً نحو نموذج “موازين” أو “روتانا”؟

الثقافة بوصفها سلاحًا ناعمًا: أي دور للمهرجان في سياق إقليمي متوتر؟

شعار الدورة “هنا الأردن.. ومجده مستمر” لا يمكن قراءته بمعزل عن المشهد الإقليمي المتوتر، وملامح الصراع على الهوية العربية.

المهرجان هنا يتحول إلى رسالة دبلوماسية ناعمة، تقول إن الأردن ليس فقط بلد استقرار سياسي، بل أيضًا مركز إشعاع ثقافي قادر على استيعاب التعدد والتنوع دون أن يفقد هويته.

فهل نجح جرش في تحويل “الفن” إلى وسيلة لمواجهة التحلل القيمي والتطرف معًا؟ وهل تستطيع الثقافة أن تقول ما لا تقوله السياسة؟

جرش في مواجهة ثقافة “الترند”

في وقت تهيمن فيه على المشهد العربي “ثقافة التريند” والإنتاج السريع الموجه لمنصات التواصل، يقدم مهرجان جرش تجربة مختلفة: 235 فعالية، أكثر من 140 شاعرًا وأديبًا، حضور من 37 دولة، وملتقيات فلسفية وسردية تناقش الذكاء الاصطناعي، وذاكرة المدن والمخيمات، وحقوق المؤلف، والرواية الرقمية.

فهل يستطيع هذا النموذج الصامد أن يستعيد جمهور الثقافة العميقة؟ أم أن صراع “المهرجان الهادئ” مع خوارزميات “التيك توك” محكوم عليه بالخسارة؟

من جرش إلى الهوية الجامعة: هل تستطيع الثقافة أن توحد ما فرقته السياسات؟

في بلد يعيش توازنات دقيقة بين المكونات الجهوية والمجتمعية، يُمثل جرش منصة توحيد لا فقط ثقافية بل رمزية، حيث تلتقي الفرق الفلكلورية من كل جهات المملكة، وتشارك الجامعات، والمخيمات، والقرى، والمدينة.

فهل يمكن لمثل هذه التظاهرات أن تعيد بناء الهوية الوطنية الجامعة بعيدًا عن الشعارات السياسية الفارغة؟ وهل تُراكم مهرجانات من هذا النوع ما يمكن تسميته بـ”المناعة الثقافية” للأردن أمام تحديات الهشاشة؟

خلاصة: من سيحمي جرش من التحول إلى مهرجان للنجوم فقط؟

يبقى السؤال مفتوحًا: هل ينجح مهرجان جرش في البقاء تظاهرة ثقافية حقيقية لا مهرجان استعراضي آخر؟ وهل الدولة الأردنية قادرة على حماية هذه المنصة من التسييس، أو من سطوة السوق الفنية، أو من سطوة التفاهة الرقمية؟ وهل سيتمكن جرش من إقناع الأجيال الجديدة بأن الثقافة ليست ترفًا، بل قوة ناعمة، وأداة بقاء، ورافعة مجد حقيقي ومستمر؟