قنبلة المهداوي تنفجر في البرلمان: قراءة تحليلية في لحظة مساءلة تكشف أزمة أخلاقية داخل المنظومة الإعلامية والقضائية
لم تكن مداخلة النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية مجرد سؤال عابر ضمن جلسة المساءلة الأسبوعية. لقد كانت، بكل المقاييس، لحظة انكشاف. لحظة انفجار قنبلة سياسية وأخلاقية في قلب المؤسسة التشريعية، حملت في طياتها ما هو أبعد من مناقشة قانون صحافة أو لجنة مؤقتة؛ لقد أعادت تشكيل السؤال الجوهري: من يحمي الصحافة؟ ومن يحمي البلاد من انحراف المؤسسات التي يفترض أن تكون صمام أمانها؟
من التضامن إلى الاتهام: بناء خطاب يعرّي التناقضات
استهلّ النائب مداخلته بتضامن صريح و”مبدئي” مع الصحافي حميد المهدوي، المتحدث عن “مجازر” تعرّض لها باسم القانون ومن طرف هيئات كان يفترض أن تصون الأخلاق المهنية والمؤسساتية.
هذا المدخل ليس مجرد تعبير وجداني؛ بل هو تأطيرٌ خطابيّ يرسم إطاراً أخلاقياً للاتهامات اللاحقة، ويجعل من القضية جزءاً من صراع أوسع حول استقلالية الصحافة وكرامة المؤسسات.
إن اختياره كلمة “مجازر” لم يكن اعتباطياً. هو ربطٌ بين التجاوزات التي يتعرض لها الصحافيون، وبين انهيار معايير يفترض أنها تؤسس لدولة الحق والقانون. ومن هنا، يتحول السؤال البرلماني إلى إدانة سياسية.
اتهام الوزير بافتعال أزمة: عندما يتحول التشريع إلى هندسة مقاس
يقدّم النائب روايته لما يسمّيه “أزمة مفتعلة” مرتبطة بإعادة انتخاب المجلس الوطني للصحافة، موجهاً إصبع الاتهام إلى الوزير:
-
افتعلتم الأزمة.
-
أحدثتم لجنة مؤقتة.
-
مدّدتم لها خلافاً للأعراف الدستورية والمهنية.
-
والآن انتهت صلاحيتها: لا الدستورية، لا القانونية، لا الأخلاقية، ولا المهنية.
هذا ليس هجوماً عادياً. إنه إعلان صريح بأن الوزارة حولت مؤسسة مهنية مستقلة إلى أداة مطواعة” تُفصّل على المقاس”.
الخطير في هذه الإشارة هو أنها تربط مباشرة بين استمرار اللجنة وبين اتهامات بالتأثير على مخرجات العملية الديمقراطية للمهنة، ما يعني أن المسألة لم تعد تقنية بل أصبحت سياسية في جوهرها.
الفيديو الذي فجّر الصمت: إساءات متعددة ومؤسسات مهتزّة
يستند النائب إلى “الفيديو المعلوم”، الذي يكشف ـ حسب قوله ـ:
-
إساءات للجسم القضائي
-
إساءات للنيابة القضائية
-
إساءات لمهنة المحاماة
-
إساءات للصحافة
-
إساءة للوطن في مرحلة حساسة ما بعد 30 أكتوبر
هنا، يتخذ الخطاب بعداً استكشافياً: الفيديو ليس مجرد دليل، بل هو مرآة تعكس تصدعات داخل منظومة العدالة والإعلام، مما يجعل استمرار اللجنة المؤقتة أمراً “مخيفاً” في نظر المتدخل.
النائب يسائل: بأي حق تستمر هذه اللجنة؟ ومن منحها صلاحية التحكم في مستقبل المهنة؟
صراع على استقلالية الصحافة: معركة بين رؤية إصلاحية ورؤية ضبطية
يذهب المتدخل أبعد من ذلك حين يتهم الوزارة بأنها انتصرت لـ”طرف واحد”، وجلبت أعضاء “من المنظومة نفسها” لتشكيل هيئة ستسيء ـ حسب قوله ـ إلى:
-
الصحافة الحرة
-
الصحافة المستقلة
-
الصحافة الاستقصائية
أي تلك الصحافة التي تكشف الحقائق للمغاربة، والتي يصفها بأنها المستهدَف الحقيقي من إعادة انتخاب المجلس بهذه الصيغة.
في هذا التحليل، يصبح النقاش حول القانون مجرد واجهة لصراع أعمق:بين رؤية تعتبر الصحافة سلطة رقابية، ورؤية تريد ضبط المجال والتحكم فيه.
ما بعد 30 أكتوبر: لحظة مفصلية وشرخ في الثقة العامة
العبارة التي ختم بها النائب خطابه ـ عند حديثه عن “المغاربة ما بعد 30 أكتوبر” ـ تحمل دلالة سياسية ذات شحنة عالية. إنها إشارة إلى مرحلة ما بعد أحداث أو تسريبات أو قرارات هزت ثقة الرأي العام.
وبالتالي، يصبح سؤال المساءلة:
هل يمكن للمغاربة أن يستعيدوا الثقة في قطاع الإعلام وفي الوزارة الوصية، بينما تعيد الأخيرة إنتاج نفس المنطق الذي أدى إلى تلك الهزات؟
النائب يطرح هذا السؤال بصيغة صادمة:
“كيف سيكون مستقبل المغاربة بعد 30 أكتوبر إذا استمر هذا النهج؟”
بنية خطاب تفجيري: لماذا اعتُبرت المداخلة قنبلة؟
لأنها جمعت بين ثلاثة عناصر:
-
اتهامات مباشرة للوزير نفسه بإحداث أزمة مؤسساتية.
-
ربط بين سوء التدبير وبين انهيار المعايير الأخلاقية والقانونية.
-
اعتبار استمرار اللجنة المؤقتة تهديداً لاستقلالية الصحافة، ومؤشراً على صراع خفي داخل الدولة نفسها حول من يملك سلطة تشكيل الحقل الإعلامي.
بهذا، لم تكن المداخلة مجرد صرخة سياسية، بل كانت إعلاناً بأن المعركة حول الصحافة في المغرب قد دخلت مرحلة جديدة.
مرحلة يختلط فيها القانون بالأخلاق، والمهنية بالشرعية، والسياسة بالرقابة.
خلاصة تحليلية
ما وقع تحت قبة البرلمان لم يكن مشهداً عادياً، بل كان عرضاً مكثفاً لتوترات عميقة داخل المشهد الإعلامي المغربي.
توتّرات تكشف وجود خطين متوازيين:
-
خط رسمي يسعى لإدارة الحقل الإعلامي عبر آليات “مؤسساتية” قد يطعن البعض في استقلاليتها.
-
وخط معارض يعتبر أن تلك الآليات نفسها أصبحت جزءاً من المشكلة لا من الحل.


