جماعة“العدل والإحسان” المحظورة : هدفنا ليس هو الاستيلاء على السلطة أو زحزحة الحكام عن كراسيهم

0
200

جدّدت جماعة العدل والإحسان (المحظورة)، التأكيد على الثوابت التي تأسست عيها عقيدتها الصوفية والمتمثلة في نبدها العنف ونبد السرية وعدم تلقي مساعدات من الخارج.

وأكد هذه الثوابت ، الأمين العام للجماعة محمد عبادي، مساء الأحد، في كلمة توجيهية لأعضاء جماعته بمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيسها، إن جماعته لن تتخلى أبدا عن مبادئها و”من ضمنها اللاءات الثلاث التي رفعناها شعارا؛ لا للعنف مهما أوذينا، ولا للتبعية للخارج مهما كانت الإغراءات، ولا للسرية التي نعتبرها سلوكا صبيانيا يهدد أمن المجتمع وسلامته. فالوضوح في الأهداف والمواقف أمرٌ تربّينا عليه ولن نحيد عنه أبدا إن شاء الله”. 

ويرى العبادي شيخ الجماعة، إن الجماعة حققت الكثير خلال الأربعين سنة الماضية، مشيرا إلى أن الحضور القوي للجماعة في الميدان، هو الذي جلب عليها بأس الدولة ونقمتها. 

وشدد عبادي على أن الدولة تبتكر في كل مرة أساليب ماكرة لتشتيت صف جماعته ومحوها من الوجود “ظنا منها أن هدف الجماعة هو الاستلاء على السلطة، وزحزحة الحكام عن كراسيهم، ولا يخطر في بال أحد منهم ما نكن لهم من الشفقة حرصا على مصيرهم الدنيوي والأخروي”.

ورد عبادي على من يعادون جماعته بالقول لهم “اربأوا بأنفسكم فضرباتكم المتتالية للجماعة لن تثنينا عن منهجنا بل تزيدنا قوة وصلابة وتغلغلا في المجتمع، فإن كانت الجماعة على الباطل فسيكفيكم الله شرها لأن الباطل كان زهوقا، وإن كانت على هدي الله ورسوله فلن تضروها إلا أذى، ولن تضروا إلا أنفسكم هدانا الله وإياكم سبيل الرشاد”.

وفي تشخيصه للوضع في المغرب قال عبادي “إن ما نراه من استفحال للظلم والفساد، ونلمسه من مخططات خبيثة تستهدف الإجهاز على قيمنا وهويتنا بنشر الرذيلة في أوساط شبابنا وشاباتنا، وما تعرفه بلادنا في الآونة الأخيرة من غزو صهيوني مكثف، طال كل مرافق الحياة، جعلنا خائفين على مصير مغربنا الحبيب، فإن لزم كل منا الصمت والحياد فسيدركنا الغرق جميعا. ولذا تجدنا في كل المناسبات نوجه النداء لأطياف المجتمع نقول لهم هلمّوا إلى مائدة الحوار، نرسي فيها قواعد وأسسا نبني عليها صرح وطن يسع الجميع، ويضمن لكل أبنائه حياة العزة والكرامة، وطنٍ تسوده الأخوة والتكافل والتعاون. ولن تجدوا منّا إلا إخلاصا وصدقا ووفاء”.

وتوجه عبادي بخطابه إلى من يصفهم “أبناء الأمة” دعيا لهم أن لا يستجيبوا لـ “الدعوات الجاهلية التي تثير الفتن، وتشعل الحروب والعداء بين الأقطار، وبين الطوائف والمذاهب، والعرقيات والإديولوجيات”.

وأكد عبادي أنه”إذا تحررت الأقطار واستعادت قوتها، سهل بذلك مدُّ جسور التنسيق والتعاون بينها استشرافا لتوحيد الأمة تحت حكم راشد قائم على العدل والشورى. وحدة يستوجبها الشرع، وتستوجبها المصلحة والمسؤولية. فمسؤولية الأمة تجاه البشرية هي تحريرها من كل طغيان وإخراجها من الظلمات إلى النور، طوعا لا كرها”. 

تأسست جماعة “العدل والإحسان”، المغربية نهاية سبعينيات القرن الماضي، على يد الشيخ عبد السلام ياسين (1928 ـ 2012). وتعتبرها السلطات “جماعة محظورة”، فيما تقول “العدل والإحسان”، إنها حصلت على ترخيص رسمي في الثمانينيات.

وبغض النظر عن الصيغة القانونية للجماعة، وحتى عن طبيعتها الدينية إن كانت جماعة سلفية أو صوفية أو إخوانية، أو إن كانت جماعة دينية لا علاقة لها بالسياسة، فإن “العدل والإحسان” كانت وإلى وقت قريب تمثل ثقلا سياسيا مهما في المغرب، وأسهمت إلى حد كبير في الضغط من أجل الوصول إلى دستور العام 2011، الذي فتح صفحة سياسية جديدة في تاريخ المغرب الحديث والمعاصر، بدخول الإسلام السياسي ممثلا في حزب العدالة والتنمية رسميا إلى المنافسة على الحكم.

إلا أن الجماعة ومنذ رحيل زعيمها المؤسس الشيخ عبد السلام ياسين، وعلى الرغم من سلاسة التغيير القيادي داخلها، حيث تولى قيادتها محمد العبادي بمنصب الأمين العام للجماعة، وظل لقب المرشد العام للجماعة ملتصقا بمؤسسها الشيخ عبد السلام ياسين، على الرغم من ذلك فإن أداء الجماعة السياسي قد أصابه الفتور، وغاب قادتها تقريبا عن المشهدين السياسي والإعلامي..

الظاهر في سلوك الجماعة السياسي منذ رحيل الشيخ عبد السلام ياسين أنها تحرص على تطويق محاور التوتر مع السلطة، وتجمد كل تكتيكاتها السابقة في التموقع في بؤرة الصراع الاجتماعي، لكن ما يخفى هو الكيفية التي تدير بها صراعاتها وتوتراتها الداخلية، فثمة تيار داخل الجماعة، يؤمن بالخط الياسيني بشكل أرثودوكسي، ولا يقبل إحداث أي تغيير فيه، ولو بشكل عملي، وهو يشترط وجود الشيخ المرشد، بذات الأدوار التربوية والروحية، التي كان الشيخ ياسين يقوم بها، بل ويطلب بعض أطيافه إجراء تقييم شامل للمسار السياسي للجماعة، والأخطاء التي ارتكبتها من جراء وضع البيض كله في كفة السياسة، وإخلاء الثغر التربوي، وإضعاف جلسات النصيحة، التي راهنت عليها الجماعة لبناء التربية الإيمانية.

وثمة في المقابل، نخب وسطى (من الطبقة الوسطى وأطر الجماعة)، براغماتية، أصبحت تعتقد أن إرث الشيخ ياسين، يحول دون تقدم الجماعة سياسيا، وأنه، من الأفضل التعاطي معه بشكل عملي، من خلال قيادة براغماتية، تهدئ جبهة الصراع مع السلطة، وتبقي على وحدة الجماعة، باللعب على خطين، خط الانكفاء التربوي الذي يرضي التيار الياسيني الحرفي، والصمت السياسي، الذي يرضي الطرفين: التيار الياسيني التربوي الذي ينتقد التضخيم السياسي في عمل الجماعة، والنخب البراغماتية، التي تعتبر الصمت في هذه المرحلة أفضل بكثير من إحماء جبهة الصراع مع السلطة السياسية. أي أنه يمارس المراجعة العملية لخط الشيخ، ويظهر الصرامة الفكرية في عدم الانزياح عنها.

ولذلك، فالتقدير أن صمت “العدل والإحسان” إذا تم النظر إليه في سياق تحولي، أي بمقارنة مع ما دأبت عليه الجماعة من إظهار مواقفها، والحضور الإعلامي الكثيف، والتموقع في صلب التوترات الاجتماعية، فهو يعكس تدبيرا داخليا للأزمة، وتحولا إيجابيا في العلاقة بالسلطة.

قيادة العدل والإحسان، تدرك أن خط الشيخ ياسين، حقق ذروته في مرحلة ابتلائه السياسي، أي مرحلة إدخاله لمستشفى المجانين، ثم مرحلة اعتقال مجلس الإرشاد، والإقامة الجبرية للشيخ ياسين، وأن المنحنى التنازلي للجماعة بدأ مع رسالة “إلى من يهمه الأمر”، وتعمق مع فشل رهان رؤية 2006، وأن كل الجهود التي قامت بها الجماعة، لامتصاص الأزمة، فشلت، وأن منسوب استقطابها وتمددها، قد وصل إلى مستويات متدنية، وأن اللحظة التي قدرت فيها الجماعة أنها ستعيد الوهج والألق لخطها (أي مرحلة الحراك) ارتدت إلى العكس، بعد انسحاب الجماعة من مكونات الحراك، وفقدانها لصورتها، وأن وفاة الشيخ ياسين لم تكن صدمة لها، بل إيذانا بدخول براديغمها الحركي إلى دائرة الشك والمساءلة، إن لم نقل بلوغه إلى منتهاه.