في خطوة جريئة تُعيد رسم ملامح الإبداع الموسيقي في المغرب، أصدر الفنان المغربي جمال الزياتي أحدث أعماله الغنائية بعنوان “دعوة الميمة”، مرفقة بأول فيديو كليب مغربي يتم إنجازه بالكامل بتقنية الذكاء الاصطناعي، ليُسجل بذلك سابقة فنية تستحق الوقوف عندها.
هذا العمل، الذي يجمع بين الابتكار التكنولوجي والرؤية الفنية الشخصية، يمثل انطلاقة جديدة للزياتي نحو مجالات أكثر تجريباً وجرأة. الأغنية، التي كتب كلماتها ولحنها بنفسه، عرفت توزيعاً موسيقياً من توقيع بشير لكحل، فيما أشرف على إخراج الكليب صانع المحتوى المعروف “جيمس”، باستخدام أدوات متطورة للذكاء الاصطناعي في توليد الصور والمشاهد.
حين يتحول الذكاء الاصطناعي إلى شريك إبداعي
في تصريح صحافي، عبّر الزياتي عن رغبته في “الانخراط الواعي في روح العصر”، موضحاً أن قراره باستخدام الذكاء الاصطناعي لم يكن نزوة تقنية، بل خياراً فنياً مدروساً يسعى من خلاله إلى توسيع أفق التفاعل بين الفن والتكنولوجيا. وأضاف:
“نعيش زمناً تهيمن عليه الابتكارات، وكان من الطبيعي أن يكون الفن سبّاقاً إلى الاستفادة منها. الكليب الجديد هو دعوة للتفكير في كيف يمكن للتقنيات أن تخدم المشاعر، لا أن تلغيها”.
من مسار كلاسيكي إلى مغامرة معاصرة
جمال الزياتي ليس وجهاً جديداً على الساحة الفنية. فقد عرفه الجمهور المغربي من خلال تعاونه مع الفنان الراحل مارسيل بوطبول، وبرز في عدد من الأغاني الفردية الناجحة مثل “أنا غير درويش” و**”واهيا لالة”**، قبل أن يحقق صدى أكبر مع فيديو كليب “أرى الباب أجواد”، الذي جمع بين عمق الكلمات ولمسة فنية مغربية أصيلة.
وفي عام 2022، أطلق الزياتي أغنية “زمان المحبة”، التي عرفت بدورها تجاوباً لافتاً، وجاءت بنفس التوليفة: كلمات وألحان الزياتي، وتوزيع بشير لكحل، وإخراج فني لأيوب بن باسيدي.
جذور كلاسيكية ورؤية متجددة
ينحدر جمال الزياتي من مدينة الدار البيضاء، وقد بدأ مساره الفني منذ الصغر، حين شارك في أداء “السيمفونية التاسعة” لبيتهوفن ضمن كورال أنيس، قبل أن يلتحق بمعهد موسيقي سنة 2008. واصل منذ ذلك الحين حضوره في عدد من المهرجانات والحفلات الوطنية، ليرسم لنفسه طريقاً خاصاً يجمع بين العمق الموسيقي والانفتاح على التجريب.
“دعوة الميمة”: بين الأصالة والابتكار
أغنية “دعوة الميمة”، بما تحمله من حمولة وجدانية، تمثل لحظة توازن بين الرسالة العاطفية للفنان وتقنياته الجديدة في التعبير. فقد اختار الزياتي أن يخاطب الجمهور بلهجة صادقة، تكرّم الأم المغربية، لكن عبر نافذة بصرية لم يألفها المتلقي المحلي: صور ومشاهد من إنتاج الخوارزميات.
في انتظار تفاعل الجمهور والنقاد مع هذه التجربة غير المسبوقة، يفتح جمال الزياتي باباً جديداً للفن المغربي نحو المستقبل، حيث لا تصبح التكنولوجيا تهديداً للهوية، بل وسيلة لتعزيزها وتجديد خطابها البصري.