يصادف الخميس 25 نونبر من كل سنة اليوم العالمي لـ “لا للعنف ضد المرأة”، بهدف لفت الانتباه إلى ما تتعرض له النساء من تعنيف وتهميش عادة ما يُمارس من أشد المقربين. للأسف تشهد السنوات الأخيرة نموا لافتا للظاهرة حتى في الديمقراطيات العتيدة.
وسجلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تنامي أشكال العنف ضد النساء، وسط ضعف الحماية القانونية لهن، مطالبة بمراجعة شاملة لقانون مكافحة العنف ضد المرأة، وإحداث تغيير جدري و شامل للتشريع الجنائي، بما يضمن الكرامة الإنسانية للمرأة ويحميها من التمييز والعنف.
وكشف تقرير لـ”شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع” (غير حكومية)، تمّ تقديمه مساء الأربعاء، خلال مؤتمر صحافي عقد بالرباط، عن استقبال مراكز الاستماع ومراكز الإيواء التابعين لها، ومراكز الاستماع التابعة لـ”شبكة نساء متضامنات”، لـ8012 امرأة ضحية عنف، خلال الفترة الممتدة ما بين يناير/ كانون الثاني 2019 ويونيو/ حزيران الماضي.
وبحسب المعطيات التي تضمّنها التقرير، فقد بلغت حالات العنف المصرّح بها لدى الشبكتين ما مجموعه 41135 حالة عنف، منها 19550 حالة عنف نفسي، و10505 حالات عنف اقتصادي واجتماعي، و6354 حالة عنف جسدي، 2212 حالة عنف قانوني، و2814 حالة عنف جنسي.
وبخصوص نوعية الاعتداء الممارس على النساء، سجّل التقرير تصدّر العنف النفسي أشكال العنف، بنسبة 47 بالمائة، يليه العنف الاقتصادي والاجتماعي بنسبة 26 بالمائة، والجسدي بنسبة 15 بالمائة، في حين سجّل العنف الجنسي 7 بالمائة، والعنف القانوني نسبة 5 بالمائة.
في سياق متصل، وصل التطبيق الفرنسي “ذي سوروريتي” أو الأخوية النسائية والذي دشن العام الماضي، إلى المغرب في 16 أكتوبر/تشرين الأول، ما أعطى بصيص أمل لأولى المستخدمات اللواتي نددن بتفشي العنف الجنسي ضد النساء في مجتمعهن.
وفي السياق، قالت سارة البالغة من العمر 32 عاما وهي من بين أوائل النساء المستخدمات للتطبيق في المغرب، إنها قد واجهت منذ سن الرابعة عشرة من عمرها أي خلال المراهقة، التحرش بشكل مستمر في الطريق بين المدرسة والمنزل. وتضيف أن أحد الصبية قد اعتدى جسديا على أختها الصغيرة أمل وعمرها أنذاك 13 عاما، مشيرة إلى أنه ورغم أنهما قد نشأتا في حي “الأميرات” الراقي في مدينة الدار البيضاء، لكن “في المغرب يمكن أن نتعرض للتحرش في كل مكان تقريبا ومن كل أصناف الرجال”.
وتابعت سارة أنه من الخطأ تحميل الأنثى الذنب حسب نمط لباسها، وتقول: “حين يدرك المعتدي أنك امرأة، انتهى أمرك. مهما كان القماش الذي يغطيك”. وتتذكر سارة الخريجة من كلية الحقوق في بوردو بفرنسا، أنها لم تشعر أبدا “بدرجة التهديد العالية” حين كانت تعيش بعيدا عن بلدها، وتضيف “نحن أمام مشكلة مجتمعية فعلية في المغرب. حان الوقت للتوقف عن حجب وجوهنا”. وبالنسبة لسارة، كما هو الحال عند كافة الأشخاص الذين اتصلت بهم فرانس24، يبدأ التحرش منذ سن البلوغ “عندما تكون مغربيا، فإنك تفهم أنك لم تعد طفلا حين يرمقك بعض الرجال الذين هم في سن والدك، بتلك النظرة الشهوانية”.
من جهتها، لم تتردد أسماء الورخاوي في التسجيل بالتطبيق منذ إطلاقه في المغرب. وترتدي هذه الشابة البالغة 39 من عمرها وتعمل في مجال الكمبيوتر، زيا “مسترجلا”، حيث أن “ارتداء التنورة قد ينطوي على كثير من المخاطر. لا يجب الاعتقاد أن اللباس التقليدي يحمي من الشهية الذكورية: صديقاتي المحجبات هن أيضا مستهدفات” على حد قولها.
وفي المغرب، قد يصيبك عدد الاعتداءات الجنسية المسجلة في الآونة الأخيرة بالدوار: اعتداءات جنسية مصورة نشرت على شبكة الإنترنت من قبل المعتدين أنفسهم. عائلات تتكتم على عدد لا يحصى من حالات سفاح القربى، اغتصاب الأطفال، الاعتداء الجماعي على عجوز تبلغ من العمر 96 عاما. وقد أظهر تحقيق نشر في 2019، وأجرته وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة في المغرب، بأن امرأة مغربية من اثنتين أكدت تعرضها للاعتداء الجنسي، وتجرأت فقط 6 بالمئة من بينهن على إيداع شكوى. كما أظهرت الإحصائيات التي نشرتها السلطات المغربية بأن امرأة واحدة من عشرة هن من ضحايا العنف الزوجي تضع حدا لعلاقتها الزوجية.
وقالت الصحافية زينب أبو الفرج من الدار البيضاء إن لا شيء مفاجئ “حيث إن التيارات الأكثر تحفظا في مجتمعنا نجحت في تلقين الكثير منا بأن المرأة ضحية الاغتصاب بسبب طريقة لباسها وبأنها حتى تستحق ولو القليل مما يقع لها”.
وفي ظل هذه الأوضاع، تم إنشاء سلسلة ويب #TaAnaMeToo وهي عبارة عن رسوم متحركة تخفي هوية أربعة من ضحايا الاغتصاب اللواتي يكسرن أخيرا حاجز الصمت.
وكانت زينب هي الأخرى قد أخفت منذ فترة طويلة صدماتها التي باتت بمثابة جرح مخز. وحتى هذا اليوم، لم تكن تتجرأ على إطلاع أي صحافي عن ذلك اليوم الذي أحيطت فيه بمجموعة من الشبان الذين ضايقوها في حي أكدال النشط والحيوي في الرباط. ولم تكن زينب تبلغ حينها بعد 15 عاما. وتقول هنا: “إن مساعدة النساء الأخريات على مشاركة أوجاعهن يخفف آلامي”.
ومع بدء فرض الحجر الصحي لمحاصرة انتشار فيروس كورونا في البلاد في مارس/ آذار من العام الماضي، أطلقت منظمات نسائية في المغرب تحذيرات من تزايد وقائع العنف ضدّ النساء، داعية إلى اتخاذ إجراءات وقائية عاجلة في ظلّ مؤشرات على تصاعد وتيرة العنف، بسبب التوترات التي بدأت تظهر جلياً داخل الأسر، نتيجة الضغوط النفسية المرتبطة بالحجر الصحي.
كما أطلق فاعلون في مجال حماية النساء في المغرب حملات عدّة، من أبرزها “عاون بلادك وخليك فدارك بلا عنف”، وذلك بعد تسجيل ارتفاع لافت في نسب حالات العنف الأسري تزامناً مع تطبيق الحجر الصحي.
وبالرغم من إقرار المغرب لقانون يجرّم العنف ضد النساء، دخل حيز التنفيذ في 12 سبتمبر/ أيلول 2018، إلاّ أنّ صعوبات مختلفة تواجه تطبيقه على أرض الواقع بعد سنتين من اعتماده. كما يثير جدلاً واسعاً بين من يعتبرونه قانوناً “ثورياً” ينصف المرأة ويضع حداً لمعاناتها، وبين من يشكّكون في قدرته على حفظ كرامتها وحمايتها.
هلال : البوليساريو والجزائر تجعلا من أطفال مخيمات تندوف “إرهابيي الغد”