مضي نحو 4 أشهر على انتهاء ولاية محمد بنشعبون سفير المغرب في باريس دون اختيار الرباط أي اسم لتعويضه إلى حدود اللحظة، بأنه “ابتزاز مغربي معتاد بخصوص الصحراء”
صنف الدبلوماسي الفرنسي جيرارد آرو، سفير بلاده السابق لدى إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة، المحسوب على إيمانويل ماكرون، عدمَ تسمية المغرب لسفير جديد له إلى الآن لدى لدى باريس بـ”الابتزاز” رابطا الأمر بقضية الصحراء.
وتفاعل آرو مع التقارير التي تطرقت لمضي نحو 4 أشهر على انتهاء ولاية محمد بنشعبون كسفير للمملكة في باريس دون اختيار الرباط أي اسم لتعويضه إلى حدود اللحظة، بأنه “ابتزاز مغربي معتاد بخصوص الصحراء “، على حد توصيفه، رابطا ذلك بالاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على المنطقة أواخرعام 2020 عبر مرسوم رئاسي للرئيس السابق دونالد ترامب.
وأكد الدبلوماسي الفرنسي بأن فرنسا “كانت لعقود وحيدة في الدفاع عن المصالح المغربية في مجلس الأمن”، في إشارة إلى دعمها السابق لمقترح الحكم الذاتي، وهو كلام لا يصدر عن شخصية عادية، فآرو هو الممثل الدائم لفرنسا لدى مجلس الأمن ما بين 2009 و2014، أي أنه كان جزءا من العملية الأممية لقضية الصحراء، كما كان سفيرا لفرنسا في إسرائيل ما بين 2003 و2006، وفي واشنطن ما بين 2014 و2016.
وبحسب المصدر نفسه، هو توالي نكسات سياسة ماكرون في شمال إفريقيا التي تفقد قوتها في منطقة كانت تعتبرها فرنسا “حديقتها الخلفية”، حيث تأجلت زيارة الرئيس الفرنسي عبد المجيد تبون إلى باريس، فيما اعتبر الرئيس التونسي قيس سعيد أن مقترحات حلول أزمة بلاده المقدمة من فرنسا وإيطاليا بأنها “إملاءات” تقوض السلم الاجتماعي، إلى جانب تراجع التعاون المغربي الفرنسي اقتصاديا وأمنيا.
وتأكد بشكل رسمي وجود فراغ دبلوماسي في سفارة المغرب في باريس، في غمرة الأزمة غير المسبوقة بين البلدين، وذلك بعدما نشرت الجريدة الرسمية بلاغا لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، صادر بتاريخ 19 يناير 2023، يتم بموجبه إنهاء مهام محمد بنشعبون كسفير للمغرب لدى فرنسا بتعليمات من الملك محمد السادس.
ويؤكد المؤرخ والأستاذ بجامعة السوربون بيار فيرميران أن “استدعاء السفير ليس أمرا عاديا ولا شائعا”. وأضاف هذا الخبير في شؤون المغرب والمغرب العربي أن غياب السفراء في فرنسا “إشارة حازمة جدا إلى فرنسا بشأن دبلوماسيتها”.
ويشير بيار فيرميران في هذا السياق إلى أن “الأمر الأساسي بالنسبة للرباط، هو أن تعترف فرنسا بالسيادة المغربية” على الصحراء المغربية، كما اعترفت بذلك الولايات المتحدة وإسبانيا.
من جهته، يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط زكريا أبو الذهب أن هذا البرود يمهد لعلاقات ثنائية جديدة “بما تحمله من إعادة للتشكيل وإعادة للتموضع”.
ورأى أن الخطاب “المطمئن” من قبل الخارجية الفرنسية سمح باعادة “القليل من النظام في هذه الفوضى الجيوسياسية”، لكن هذا لا يزال غير كافٍ لإعادة الشراكة الفرنسية المغربية “إلى مسارها الصحيح”.
في الوقت نفسه، ما زالت العلاقات بين باريس والرباط مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بسياسة باريس تجاه الجزائر.
وكانت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، حملت شخصيا رسالة تهدئة إلى الرباط. وطرحت فكرة زيارة دولة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب “في الربع الأول” من 2023.
دافعت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء (الثلاثاء السابع من مارس 2023) خلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية عن سياسة بلادها في دول المغرب العربي.
وخلال الجلسة سأل العديد من النواب وزيرة الخارجية عن معلومات نشرتها مؤخّراً “جون أفريك” نقلاً عن مصدر رسمي في الحكومة المغربية، لم تسمّه المجلّة، قال فيها إنّ “العلاقات ليست ودّية ولا جيّدة، لا بين الحكومتين ولا بين القصر الملكي والإليزيه”.
وردّت كولونا بالقول إنّ هذا التصريح مصدره مجهول. وأضافت “إذا قرأنا تصريحات لا تروق لنا في الصحافة، فهي من مصادر مجهولة وبالتالي لا تستدعي تعليقاً محدّداً”. كما شدّدت وزيرة الخارجية على التزامها “ممارسة التهدئة” بدليل أنها سافرت بنفسها إلى المغرب في كانون الأول / ديسمبر في زيارة أتاحت استئناف “علاقات قنصلية طبيعية”.
وخلال زيارتها تلك أعلنت كولونا انتهاء العمل بقيود التأشيرات التي فرضتها فرنسا وأضرّت بالعلاقات بينها وبين المغرب. وسرعان ما اتّخذت باريس قراراً مماثلاً بالنسبة للجزائر. وأضافت كولونا “آمل أن أستمرّ من جهتي في ممارسة نفس التهدئة”.
ولم تأت الوزيرة على ذكر الزيارة كان مقرّراً أن يقوم بهاالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب في الربع الأول من هذا العام والتي، على ما يبدو، لم تعد قائمة.
لكنّ كولونا أعادت التذكير بالمحادثات التي أجرتها في كانون الأول / ديسمبر الماضي في الرباط، والتي عبّرت خلالها الحكومتان الفرنسية والمغربية عن رغبتهما في إعادة بناء علاقتهما في العمق وبحثتا يومها زيارة ماكرون المحتملة.
غير أن الرباط ما فتأت تؤكد أن جوهر الخلاف مع باريس يكمن في موقف الأخيرة من قضية الصحراء المغربية المفتعلة من الجزائر. ودعا المغرب الشريك الفرنسي للخروج من “المنطقة الرمادية” بشأن هذا الصراع، خصوصا بعد الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على صحرائه.