جيل زد يرفع سقف المطالب: رسالة إلى الملك، الحكومة تستجيب بلغة الحوار… وهل يكفي ذلك لاحتواء غضب الشارع؟

0
117

في أوّل أيام أكتوبر 2025 ارتفعت وتائر الاحتجاج الشبابي في مدن مغربية عديدة، وحملت هذه الموجة شعاراً جديداً ومطالب مباشرة وغير مسبوقة: حركة جيل زد (GENZ212) وجهت رسالة علنية إلى جلالة الملك محمد السادس طالبة بإقالة الحكومة الحالية وفتح مسار قضائي لمحاسبة الفاسدين، فضلاً عن مطالب اقتصادية واجتماعية وحقوقية عميقة تتجاوز شكليات الرد الحكومي.

ما حصل ليس مجرد احتقان مؤقت؛ إنه فصل جديد في علاقة أجيال ما بعد الجامعية بالمؤسسات السياسية. من شعارات في الشارع إلى رسالة رسمية موقعة (رقمياً) على منصات التواصل، تبدو اللغة موحّدة: رفض للفساد، مطالب ملموسة في الصحة والتعليم والعمل، وضغوط لرفع الغطاء عن ممارسات تُعتبر مؤثرة على القدرة الشرائية والعدالة الاجتماعية.

من السلمية إلى العنف — حيث تُختبر حدود التحرك

انطلقت التظاهرات سلمية في محطاتها الأولى، لكن بعض الوقفات شهدت تصعيداً؛ تم رصد محاولات اقتحام مؤسسات أمنية وأعمال تخريب في أماكن متعددة، بينها منطقة «القليعة» قرب أغادير، حيث أعلن مسؤولون تسجيل ثلاث وفيات أثناء تدخل أمني وصفته الوزارة بأنه دفاع عن النفس مقابل روايات محلية مختلفة عن تسلسل الأحداث. كما تحدثت وزارة الداخلية لاحقاً عن إصابات واعتقالات واسعة طاولت مئات الأشخاص.

هذه التحولات الميدانية تجعل السؤال المركزي: هل تحول الحراك من ضغط سلمي إلى دورة عنف محدودة سيبرر معها تشديد سلطوي قد يقوّض جذور المطالب الاجتماعية؟ أم أنه نتيجة عملية «تسيّس» و«تغوّل» عناصر خارجة عن نسيج الحركة الأصلية؟

الحكومة تردّ: لغة الطمأنة والحوار… أم تأجيل الجواب الجوهري؟

ردّت السلطة التنفيذية بلغة الحوار والاستعداد للتجاوب عبر المؤسسات، حيث أعلن رئيس الحكومة استعداد حكومته للدخول في حوار مؤسساتي مع شباب الحركة، فيما شدّد المتحدث باسم الحكومة على أن ذلك يتطلب وضوحاً في الممثّلين ورؤى محددة لبدء التفاوض.

لكن لغة “الحوار” وحدها لا تكفي لإطفاء نار مطالب تلمس معيقات يومية (صحة، تعليم، شغل، قدرة شرائية). إذ يرى خبراء أن الدعوة إلى الحوار تُصبح ذات مصداقية فقط إذا ترافقت مع إجراءات سريعة وملموسة تستعيد ثقة الشباب، وإلا فستبدو كـ«طوق زمني» يهدف إلى امتصاص الغضب لا إلى تجاوزه.

Un communiqué adressé au roi Mohammed VI par le collectif "GenZ 212". (GENZ 212 / DISCORD)

ما وراء مخاطبة الملك مباشرة؟

أن يوجّه الشباب نداءه مباشرة إلى العاهل يحمل دلالات عميقة:

  • أولاً، يعكس انهيار قنوات التمثيل التقليدية (أحزاب، نقابات، مؤسسات)، ويفسر لماذا يلجأ الشباب إلى المخاطب الأعلى لضمان الإنصات.

  • ثانياً، يبيّن ثنائية ظاهرة في المشهد: رفض مؤسساتي من جهة، وثقة رمزية في الملكية كضامن للاستقرار والردّ الإصلاحي من جهة أخرى.

  • ثالثاً، هذه المخاطبة تُدخل المؤسسة الملكية في معادلة سياسية أكثر مباشرة من السابق، مما قد يفرض عليها خيارات صعبة بين دفع إصلاحات جذرية أو السماح بمزيد من الضغط المؤسساتي لتنظيم المشهد.

القوى الحقوقية تطالب بالتحفظ القضائي وفتح قنوات الاستماع

طالبت منظمات حقوقية وطنية بوقف الملاحقات القضائية ضد المحتجين وإطلاق سراح الموقوفين على خلفية الاحتجاجات السلمية، ودعت إلى فتح قنوات للحوار تستمع للشباب وتعمل على حلول إجراءاتية وعاجلة. هذه الدعوات تُضيف بُعداً أخلاقياً وقانونياً للمشهد وتضع معايير جسيمة لقياس رد الدولة.

سيناريوهات محتملة لمسار الأحداث

  1. إصلاح حقيقي ومؤسساتي: تحمِّل الحكومة أو الملكية زمام مبادرات إصلاحية — تعديل حكومي، خطة اقتصادية واجتماعية عاجلة، وآليات شفافية ومحاسبة — ما قد يعيد ثقة الشارع تدريجياً.

  2. احتواء شكلي + إجراءات أمنية: حوار شكلي يرافقه تشديد أمني وعمليات توقيف واسعة تؤدي إلى تراجع المؤقت للشارع لكنه يترك جذور الأزمة متفجرة مستقبلاً.

  3. تسيُّس الحركة وتحولها لقوة منظمة: إذا نجحت قيادة شبابية مركزة في التنظيم، قد تتحول “جيل زد” إلى لاعب سياسي مؤثر يضع مشهداً جديداً للتمثيل غير الحزبي.

أسئلة لمدى التوسع والتحقيق الصحفي

  • من هم الوجوه الفعلية (الظاهرة والخفية) وراء تنظيم الاحتجاجات؟ وهل هناك شبكات رقمية داخلية أو خارجية أسهمت في بلورتها؟

  • إلى أي مدى ستلتزم الحكومة بإجراءات سريعة وملموسة تعالج مطالب الصحة والتعليم والتشغيل، وليس مجرد “خطابات طمأنة”؟

  • كيف سيتوازن دور المؤسسة الملكية بين ضامن للاستقرار ووسيط لإصلاح سياسي قد يطال مؤسسات نافذة؟

  • ما هو مصير المعتقلين؟ وكيف سيؤثر تعامل القضاء مع هذه الملفات على مشروعية الدولة ومصداقيتها دولياً؟

خاتمة — لحظة اختبار للشرعية الاجتماعية

ليس ما حدث في الشوارع المغربية مجرد احتجاج لحظي؛ هو اختبار لشرعية منظومة كاملة: حكماً وفاعلين سياسيين ومؤسسات رقابية وقضائية. بخطابه المباشر إلى الملك، يقدّم جيل زد إخطاراً واضحاً بأن الشارع المغربي لم يعد يقبل بالحلول الترقيعية وأنه يطالب بخريطة طريق إصلاحية وجذرية. القرار الذي ستتخذه السلطة — بين الإنصات الحقيقي أو الرد الأمني أو المساومة المؤقتة — سيحدد شكل العقد الاجتماعي في المغرب لسنوات قادمة.

هل ستُستغلّ هذه اللحظة كفرصة لإعادة تأسيس الأمل الاجتماعي والمؤسساتي؟ أم أنها ستغلق بباب من حديد تكبّل آمال جيل بأكمله؟ الزمن هو الحكم الأقسى، والشارع الآن يراقب كل كلمة وسلوك وموقف.