جيل “زد” يعود إلى الشارع: احتجاجات الشباب بين الحرية والعدالة الاجتماعية

0
217
مظاهرة أمام البرلمان في الرباط في 18 أكتوبر 2025. ا ف ب

عادت حركة جيل “زد” المغربية لتستعيد حضورها على الساحة الوطنية، بعد أسابيع من الهدوء النسبي، في مشهد يطرح أسئلة جوهرية عن علاقة الشباب بالمجتمع والدولة، وعن حدود الحريات في المغرب المعاصر. فقد شهدت مدينة الدار البيضاء، يوم الأربعاء الماضي، وقفة احتجاجية جديدة تزامنت مع تخليد اليوم العالمي لحقوق الإنسان، جمعت عشرات الشباب في “ساحة السراغنة”، في محاولة لإعادة الزخم إلى حركة يرى كثيرون أنها التعبير الأبرز عن احتجاجات الجيل الجديد.

الوقفة لم تكن مجرد تجمع رمزي، بل حملت رسائل متعددة الطبقات: شباب يرتدون الملابس الحمراء وأقنعة، لافتات تطالب بالإفراج عن الموقوفين وتندد بـ”غياب العدالة الاجتماعية”، وأمهات حاضرات يحملن صور أبنائهن المعتقلين، في مشهد مؤثر يعيد إلى الواجهة قضية المحاكمات المرتبطة بأحداث الاحتجاجات الأخيرة.

هذه الرمزية، التي تجمع بين الوجع الإنساني والمطالبة بالحقوق، تجعل من وقفات جيل “زد” أكثر من مجرد احتجاج، بل شهادة على حالة من الاحتقان الاجتماعي المتواصل.

لم تقتصر الدعوات على الدار البيضاء، إذ أعلنت الحركة تنظيم وقفات ومسيرات في الرباط وفاس ومكناس وطنجة والعرائش، فيما عبرت منصاتها على تطبيق “ديسكورد” عن قلقها من “تصاعد القيود على الحريات”، مؤكدة أن هدفها هو “إسماع صوت جيل يطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية”. وفي هذا السياق، تصف الحركة واقع المغرب بأنه “مغرب بسرعتين”، منتقدة الفوارق المتزايدة بين مناطق تعاني الهشاشة وتدهور الخدمات العمومية، وبين مشاريع ضخمة يستفيد منها لوبي اقتصادي نافذ، في حين تبقى الشعارات الرسمية عن دولة الحق والقانون مجرد شعارات أمام واقع ميداني يواصل دفع الشباب ثمن مطالبهم المشروعة.

وتأتي عودة الاحتجاجات بعد موجة من الاحتجاجات اليومية بين 27 أيلول/سبتمبر و9 تشرين الأول/أكتوبر الماضيين، والتي توقفت لاحقًا لتقتصر على وقفات السبت. وفي خضم هذه الأحداث، أعلنت النيابة العامة متابعة 2,480 شخصًا، معتبرة أن تورطهم “ثابت في أفعال تمس سلامة الأشخاص والممتلكات والأمن العام”، مع تأكيدها على “احترام شروط المحاكمة العادلة”. لكن عودة التظاهر أعادت إلى الواجهة ملف أحداث “القليعة”، نواحي أغادير، بعد انتشار أنباء عن اعتقالات محتملة لعائلات الضحايا أمام البرلمان في الرباط، وهو ما نفاه وكيل الملك، موضحًا أن الوقفة كانت غير مصرح بها وأن السلطات تعاملت مع المشاركين بطريقة سلمية.

أكثر ما يثير القلق في هذا الملف هو تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الذي اعتبر ما حدث في فاتح تشرين الأول/أكتوبر “استعمالًا مفرطًا للقوة”، أدى إلى وفاة ثلاثة شباب، معتبراً أن الضحايا قتلوا في وضعيات لا يمكن تبريرها بالدفاع الشرعي عن النفس. التقرير يشير إلى إخفاق السلطات في التعامل بجدية مع الوضع منذ البداية، ما أدى إلى ردود فعل انتقامية، من بينها استهداف نشطاء محليين مثل سفيان كرت، لا يزال معتقلاً. كما انتقد التقرير الأحكام القاسية بحق القاصرين والشباب، مؤكدًا أن إطلاق الرصاص الحي كان “غير متناسب إطلاقًا مع طبيعة الاحتجاج العفوي”، ومحمّلًا الدولة المسؤولية وفق القوانين الدولية التي تجعل الحق في الحياة حقًا غير قابل للتصرف.

من جانبها، أعلنت حركة جيل “زد” أن عودتها للاحتجاج تأتي تحت شعار “العودة الكبرى دفاعاً عن الحرية والكرامة”، منتقدة الأحكام التي وصلت إلى 15 سنة سجناً نافذًا، معتبرة أن ذلك يتناقض مع الحق في التظاهر السلمي المكفول بالدستور. الحركة قدمت أرقامًا تعكس حجم الأزمة الحقوقية، بينها وجود 1,473 شابًا رهن الاعتقال و330 قاصرًا مرتبطًا بمحاكمات أو إجراءات قضائية، معتبرة أن هؤلاء “كان يفترض أن يكونوا في المدارس لا في المحاكم”، وأن جرمهم الوحيد هو المطالبة بتحسين الخدمات ومكافحة الفساد.

في العمق، تطرح عودة جيل “زد” أسئلة أكبر عن مستقبل الحراك الشبابي في المغرب: هل ستستجيب الدولة لمطالبهم المشروعة قبل أن تتحول الاحتجاجات إلى صراع مستمر مع السلطة؟ وهل يمكن أن تكون المحاكمات والأحكام القاسية مجرد عامل يزيد الاحتقان بدلًا من أن تكون أداة للعدالة؟ الأكيد أن الشباب، بعزمهم وصوتهم، يواصلون التأكيد على أن حقوق الإنسان لا تُحتفل بها في القاعات، بل تُحترم في الشارع، وأن العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لا يمكن أن تكون شعارًا فقط، بل واقعًا ملموسًا على الأرض.