يبدو أن هوس النظام الجزائري بمعاداة المغرب وصل مستويات مقلقة جدا، فهو ينتهز كل الفرص للنيل من نظام بلد جار لا يبادله العداء، والإساءة إلى شعب يكن كل الود للشعب الجزائري؛ فحتى الرياضة الحاملة لقيم المحبة والسلام والتآخي يوظفها حكام الجزائر في صناعة العدو المْرُّوكِي، في احتقار سافر لكل الأعراف الرياضية ولروح الحركة الأولمبية، الهادفة إلى بناء مستقبل سلمي للبشرية وصون السلام والتفاهم بين الشعوب والأمم.
فما المقصود بصناعة العدو؟ ولماذا يستثمر النظام الجزائري في صناعة العدو المْرُّوكِي؟ وما هو الرد المغربي على “ازدهار” صناعة العدو بالجزائر؟
صناعة العدو
لعتبر صناعة العدو من أقدم الصناعات التي برع فيها الكثير من رجال السياسة وقادة الجيوش ومن وَالاَهُم من النخب، فللعدو عند هؤلاء وظائف يؤديها، فهو يعمل مهدئا عبر المسؤولية (الحقيقية أو المتخيلة) التي يحمِّلونه إياه في القلق الجماعي لشعوبهم، ويُسْتعمل شماعة تُعَلق عليها المحن والشدائد والكوارث التي تواجه أنظمتهم السياسية على الصعيد الداخلي، كما يُصْنَعُ العدو كمبرر للغزو العسكري واستنزاف ثروات الشعوب والأمم.
فالإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني (1859 – 1941) وصف الصين بالعَدُوِّ والخطر الأصفر، سعيا منه للمشاركة في تقسيمها واستنزاف ثرواتها، فأوروبا لم تكن تخش الصين في أواخر القرن التاسع عشر، لكن عبارة ” الخطر الاصفر” تعطي مبررا للقوى الأوروبية لشن مزيد من الحروب لاستنزاف ما تبقى من خيرات في الصين بعد حروب الأفيون.
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 قَسَّمَ الرئيس الأمريكي “جورج بوش الإبن” العالم إلى محورين، محور للشر وآخر للخير، ليعلن بعد ذلك غزو دولة العراق باعتبارها عدوا وأحد أركان محور الشر. والحال أنه سنوات بعد ذلك ظهر للجميع أن الإدارة الأمريكية، في عهد بوش، صنعت من نظام صدام حسين عدوا لتبرير استنزاف ثروات العراق وتحقيق مكاسب جيوستراتيجية.
أما صناعة العدو في العالم الثالث فهي تثيرة السخرية في أحسن الأحوال وتخلف مآسي وجرائم فضيعة في أسوئها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، اختار النظام البوليفي المنهج السوريالي “خاسر خاسر” برفضه تصدير منتجاته البترولية عبر الشيلي، عدوه المصطنع، واختار بديلا عنه خط أنابيب آخر يمر عبر الأرجنتين رغم أن كلفته مرتفعة جدا، ويحرم بوليفيا من منفذ استراتيجي مهم على الأسواق الأسيوية.
تشعر الكثير من المجتمعات، وخصوصا العالمثالثية الرازحة تحت ثقل العلل المزمنة، بالحاجة لأن تصنع عَدُوّا يُمَكِّنُهَا من أن تعزو إليه أَلَمَهَا والانتقام لخيبات أَمَلِهَا، كما يقول “دوركهايم”. فالعدو، إذن، كما يقول بيير كونيسا “Pierre Conesa”، في كتاب “صناعة العدو”، حاجة اجتماعية وسياسية، والعنف ضد العدو يستثمر في إعادة بناء وحدة الجماعة والهوية القومية، كما يمكن للعدو المصطنع أن يغذي الهَوَس الثَّأْرِي ويضفي الشرعية على نظام فاقد لها، كما سنرى في الحالة الجزائرية.
النظام الجزائري وصناعة العدو المْرُّوكِي
يعتبر النظام الجزائري ضمن الأنظمة الاستبدادية الأكثر تسلطا في العالم، حسب مؤشر الديموقراطية الذي تنشره مجلة ذي إيكونوميست، وتتميز هذه الأنظمة باحتكار الطغمة الحاكمة للشأن الاستراتيجي وحق التَّفَكُّرِ فيه، وهو ما يجعل النقاش، في الجزائر على سبيل المثال، موجها ومحصورا بين قلة قليلة من المريدين، تعيد تدوير ما يقوله القادة العسكريون وما تنشره مجلة الجيش.
واعتمادا على تلك القلة القليلة من المريدين، استطاع النظام الجزائري توظيف الهوس الثأري لصناعة العدو المْرُّوكِي، كما يصف الجار المغربي، وتعتمد سردية الهوس الثاري عند النخبة العسكرية في الجزائر، ومن وَالاَهَا من النخب السياسية والمدنية، على تزييف فَجِّ لتاريخ حرب الرمال سنة 1963 وعلى الدفاع حد استنزاف الذَّات عن حق مزعوم لشعب صحراوي مزعوم في تقرير مصيره.
وظفت بروباغوندا النخبة العسكرية الجزائرية سردية الهَوَس الثَّأْرِي لتحويل فئات من الشعب الجزائري إلى مجرد أفراد ساخطين على الجار العدو (Homo Furiosis)، همهم الوحيد هو الاعتداء عليه بالسب والشتم في المنتديات الافتراضية والملاعب الرياضية (كما رأينا في افتتاح الشأن ) استعدادا ليوم الحسم العسكري والزحف الموعود؛ فالعجرفة العسكرية لديها حققت ما تعتبره مكسبا استراتيجيا، ألا وهو استعداد بعض الجزائريين (حتى لا نسقط في التعميم) لقتل المْرُّوكِي ولو رمزيا باعتباره حيوانا يجب تعقبه والقضاء عليه.
يعود الكثير من المحللين، ومن ضمنهم الباحث الاستراتيجي “بيير كونيسا” في تفسيرهم للهوس الثأري عند النظام الجزائري، إلى السياق التاريخي الذي خرجت من رحمه الدولة الجزائرية الناشئة والصراع العنيف الذي شق أوساط نخبة الثورة الجزائرية بعد هيمنة “مجموعة وجدة” على أركان دولة في طور المخاض. فبعد توقيع اتفاقية إيفيان سنة 1962 ، التي ضمنت لفرنسا مصالحها في الجزائر وجعلت منها بلدا صديقا، أصبحت النخبة الحاكمة في الجزائر في حاجة ماسة إلى صناعة عدو جديد لتحقيق أهداف ثلاثة؛ أولها إسكات كل الأصوات المعارضة في الداخل، ثانيها إضفاء الشرعية على حكمها، وثالثها استثمار حالة الخوف والرعب من العدو الجار لتشكيل أمة جزائرية على مقاس تلك النخبة.
ورغم كل ما اسْتُثْمِرَ في صناعة “العدو المروكي” فالنخب الحاكمة في الجزائر تواجه معضلتين أساسيتين، فالعدو المغربي ليس موروثا بالشكل الذي يتجذر في الماضي حتى يكون عنصرا من عناصر توحيد كل فئات الشعب الجزائري لمواجهته، كما أن المغرب (نظاما وشعبا) لا يكن العداء للشعب الجزائري، كما سنرى في ختام هذا المقال.
الرد المغربي على “ازدهار” صناعة العدو بالجزائر
في مواجهة الاستثمارات الجزائرية الضخمة في صناعة العدو، يحافظ المغرب على سياسة حسن الجوار ويستثمر في ما يجمع بين الشعبين من أواصر القرابة والتاريخ المشترك والجغرافيا؛ وباعتماده على نهج السلام والمحبة والأخوة يُقَدِّمُ المغرب أسوأ الخدمات للنظام العسكري الجزائري وذلك بحرمانه من عدو حقيقي.
فالعقل الاستراتيجي المغربي يدرك أن صناعة العدو بالجزائر لا تستهدفه بالدرجة الأولى، لأنها أولا وأخيرا جواب عن تحديات وقلاقل جزائرية – جزائرية صرفة؛ كما يعرف أن النظام العسكري الجزائري لن يذهب حد إعلان الحرب على المغرب، لأنه في حاجة ماسة إلى حالة اللاَّحرب واللاَّسلم… ألم يقل فريديريك نيتشه” أن من يحيا على محاربة عدوه من مصلحته أن يدعه يعيش”.