لم يَمر 5 أيام على فوز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بولاية رئاسيةٍ جديدة حتى باغته الهجوم الإرهابي على المركز التجاري “كروكوس سيتي” بضواحي موسكو على حين غِرة في التوقيت والمكان وحَجم الخسائر البشرية قرب العاصمةِ الروسية موسكو .
المؤكد الأول في الحادثة أنها خروج عن قواعد اللعبة المعتمدة بين روسيا من جهة والفاعل الذي من حيث المبدأ حتى الآن يمكن أن يكون تنظيم داعش الإرهابي الذي إِدُعِي بأنه أعلن عبر تليغرام مسؤوليته عن الهجوم على قاعة حفلات موسيقي داخل كروكوس سيتي وقال التنظيم في بيان إن مقاتليه “هاجموا تجمعاً كبيراً في ضواحي العاصمة الروسية موسكو”.
لكن الجهات المحتمل وقوفها وراء الحادث كثيرة من وجهة المخابرات الروسية FSB .
أولاً نظراً لطبيعة عَمله وبنظر الكرملين ثانياً الذي أعلن أن روسيا في حالة حرب الآن وعلى الجميع فهم ذلك. فلو كانت هذه الحرب على ” داعش” لكان أعلنها دوُن مواربة لكنه ترك باب التكهنات مفتوح بإعتماده مُصطلح الجميع .
لنبدأ من إختيار التوقيت وهو مساء الجمعة مع بداية العطلة الأسبوعية والتي تعجُ بها الأماكن العامة من المواطنين.
ثانياً المكان بعيد كنقطة جغرافية حوالِي 30 كيلو متر عن موسكو مما يُتيح لمنفذي الهجوم الإنسحاب بسرعة قبل تدخل القوات الأمنية الروسية .
فهل هي تهديد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن عهده سيبدأ بالدم ؟
الإفتتاحية الدموية لعهدهِ ربما تكون من إمضاء المعارضة الروسية لكن هل يكون الدافع هنا توريط بوتين بحرب مع الغرب من خلال ردة فعلٍ قاسية ؟
ومن ثُم اللعب على تحذيره الغرب بأن بِلاده تمتلك أسلحة لم تستخدمها بعد وتصل الى كافة الأراضي الأوروبية .
وبالتالي هل هذه العملية هي لإختبار وإجبار روسيا على الكشف عن تلك الأسلحة ونوعيتها وأهميتها ؟.
من دون أن نغفل إحتمال مشهد من مشاهد الصراع بين أجهزة الإستخبارات لضرب إستقرار موسكو الداخلي ؟
لكن الإستنتاج الأهم أنه ليس عمل فردي .
في المشهد الأشمل يبرز بعض ما جاء في خطاب ماكرون الذي خاطب به الغرب قائلاً لحلفاء أوكرانيا يجب ألا يكونوا جُبناء في مواجهة روسيا ودعا إلى إختراق إستراتيجي وتَحمل مسؤوليته الكاملة ، فيما وصف الرئيس التشيكي فكرة إرسال قوات إلى أوكرانيا ب ” تجاوز للخطوطِ الحَمراء ” .
أكثر من خمسين دولة تكتلت لدعم أوكرانيا ومنع هزيمتها أمام روسيا ولكن يبدوا أن الأوروبيين إستفاقوا متأخرين على واقع أن الحرب تنعكس عليهم وسط تعثرٍ في التسليح والتمويل وبروز إنقسام أوروبي بشأن الإنخراط المباشر بالحرب أو بالوكالة .
هل يمكن أن يُخاطر ماكرون ويتورط ويُوَرِط الغرب بعمل يجعل موقفهم موقفاً صعباً جداً أمام ردة الفعل لدولة تملكُ أكبر ترسانة نووية عالمية تستطيع من خلالها شَن حرب عالمية لا أحد يستطيع تحمل تبعاتها ؟
وأخيراً هل ستكون هذه العملية بداية روسية لتصفية كبار القادة الأوكرانيين ؟
أم هي بداية لحقبة حرب معلوماتية إستخباراتية بوجه روسيا لزعزعة أمنها الداخلي وإستخدامها للضغط على موسكو للتراجع والتنازل والتفاوض ؟ .
وهل عملية موسكو ستكون كعملية دونكيرك خلال الحرب العالمية الثانية والتي كانت نقطة الفصل التي حولت الحرب من إنتصارٍ مؤكد لألمانيا لهزيمةٍ ساحقة لها ، فهل سيعود التاريخ ليُحول عملية موسكو لنقطة تحول في سياسة بوتين لضرب أوكرانيا وداعميها بأسلحة غير تقليدية ؟
وهل ستكون عملية موسكو شبيهة بأزمة الصواريخ الكوبية السوفييتية والتي كادت أن تؤدي لقيام حرب نووية من خلال نشر الإتحاد السوفييتي قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية متوسطة المدى في كوبا والتي تُعطي الإمكانية من ضرب مُعظم الأراضي الأمريكية ، ونشر أيضاً الولايات المتحدة الأمريكية صواريخ ثور IRBM في كُلٍ من بريطانيا وإيطاليا وتركيا عام 1961 والتي تُمكن الولايات المتحدة الأمريكية على ضرب العُمق الروسي، فهل سيعيد التاريخ نفسه اليوم؟
وهل التسارع في التنديد بالعملية لأعداء روسيا هو دليل شعورهم بالقلق من ردة الفعل وهم من يعلمون جيداً بأن بوتين آتى من خلفية إستخباراتية ولديه القدرة على التمييز بين السياسة والعسكر وأن ردة الفعل لن تكون همجية بل مدروسة ومؤلمة؟
وهل هُناك إرتِباط أو علاقة بين الفيتو الروسي الصيني والعملية في التوقيت نفسه؟.
وهل تتجرأ المعارضة الروسية في التآمر على موسكو وثم تدفع ثمناً باهظاً بإعطاء بوتين ذريعة للقضاء عليها ؟.
وهل العملية مُرتبطة بأجهزة دولية لتشتيت التركيز الإعلامي عن أحداث الشرق الأوسط وإيقاظ الفكر الإرهابي مجدداً …
وهل الفيديوا الذي عُرض لأحد المُنفذين الذين ألقي القبض عليهم ويعترف باللغة الروسية بأنه آتى عبر تركيا وتلقى مبالغ لتنفيذ العملية هو فيديوا حقيقي أم مُلفق ؟
وهل هي رسالة من دولٍ مؤثرة إقليمياً ودولياً لجلوس روسيا إلى طاولة مفاوضات بهدف إنهاء الحرب والمُعانات وإنعكاساتها على الأمن والإقتصاد الغربي ؟.
وهل التحذيرات الأمريكية البريطانية قبل العملية لرعاياهم كانت رسالة لموسكو تحذيرية ؟
وهل تلك التحذيرات الأمريكية والبريطانية هي تكهناك أم هي بسبب معلومات إستخباراتية وإشارات وأحداث تؤكد بأن هناك جهة تٌخطط لعمل في موسكو ؟.
كل ما ذكرناه سيبقى في حلقة إنتظار التحقيقات والتي سيَبني عليها بوتين ردة الفعل، ولكن ما نحن على يقين منه بأن روسيا بعد العملية لن تكون كما قبلها .