أفقنا هذا الصّباح على إعلان الرئاسة الجزائرية “تعرض ثلاثة رعايا جزائريين لاغتيال جبان في قصف همجي لشاحناتهم أثناء تنقلهم بين نواكشوط (موريتانيا) وورقلة” في الأول من نوفمبر الجاري، مُتّهمةً الجيش المغربي بتنفيذها، تمهيدًا لإشعال فتيل حرب إقليمية تخلصها من أزمتها الداخلية وفشلها في ملف الصحراء المغربية بعد الانتصارات المتتالية.
المعلومات الواردة حول هذا الهجوم، شحيحة، ومن مصدر واحد، هو الحُكم العسكري والنّاطق باسمه،وتسريبات لـ “النانه رشيد، المستشارة الإعلامية للرئيس الصحراوي، على صفحتها: “استهداف مغربي لقافلة تجارية جزائرية بالطريق الرابط بين الجزائر وموريتانيا بالقرب من عين بنتيلي بالأراضي الموريتانية”؛ وأضافت: “القصف تم بطائرة مسيرة”.
وعلق الإعلامي حبيب الله أحمد: “الجيش الموريتاني أكثر صدقاً بالنسبة لنا من هذه السيدة التي تسعى منذ سنوات للزج بموريتانيا في صراع وقفت منه بحزم وشجاعة موقف الحياد، وهو موقف لا يمكن أن تغيره أسلحة الرجال، فكيف تغيره تدوينات موجهة لامرأة متقلبة المزاج”.
وأضاف: “بالمناسبة، قصف الشاحنتين مجرد فبركة لتوريط الموريتانيين وجر المغاربة لمواجهة الجزائريين ليس إل ، نحن طوينا ملف القصف لأن جيشنا أوضح أنه لم يحدث قصف داخل حوزتنا الترابية؛ ويبقى السؤال هو “ما هي مشكلة مستشارة رئيس ما يسمى بالجمهورية الصحراوية مع موريتانيا وأهلها…؟!!!
وكتب القيادي الإسلامي محمد جميل منصور: “يا من يدفعوننا لأن نقف إلى جانب هذا الطرف لأنه يدافع عن حقه في الاستقلال، أو ذاك الطرف لأنه يريد وحدة أراضيه، توقفوا من فضلكم، فموريتانيا لا تريد ولا تستطيع ما تطلبون، حسبها الحياد الإيجابي في الصراع على الصحراء، الحياد الذي يستطيع أصحابه التقريب بين وجهات النظر أو التوسط خوفاً من نزاع أو حرب، أما الجزائر والمغرب فجاران شقيقان عزيزان، ندعو الله لهما بمزيد من الألفة بعيداً عن التوترات والحروب، فضحايا الحروب هي: الشعوب والتنمية والأمن والأخوة”.
وكتب المحلل السياسي المهتم بقضية الصحراء المغربية إسماعيل يعقوب، معلقاً على الحادث: ” هنا يجب التمييز بين مستويين؛ تقييم العمل العسكري على أساس جيوسياسي (اعتداء بالقصف من قبل جار على عدو مفترض على أرض محايدة) من جهة دون امتلاك حق الملاحقة؛ فهذا إن حدث هو انتهاك للسيادة. والمستوى الثاني هو ضبابية الحدود بين موريتانيا والصحراء المغربية على الأقل في عدة مواقع وتداخلات قد لا تكون استراتيجية للطرفين في الوقت الراهن وقد لا يكون ترسيمها ملحا من جهة أخرى؛ ينضاف ذلك إلى مرور الجدار المغربي العازل والملغم من عدة نقاط خارج الإقليم الصحراوي.“مما يستوجب سعة في التعاطي الجغرافي مع “لمطنحات” أو الشظايا التي قد تتطاير من المعركة الدائرة هناك.”
واضاف “حسب مصدر صحراوي رسمي، فإن ضحايا سقطوا إثر الحادث؛ فإن كان القصف خطأ وجب التحقيق في مصدره والاعتذار عنه، وإن كان عمداً وجب البحث عن مصدره والتعاطي معه في الطريقة المثلى”.
وأضاف: “ليست هذه هي الحادثة الأولى منذ ذبول وقف إطلاق النار في الصحراء الغربية في نوفمبر 2020، وقد لا تكون الأخيرة”.
وقد جاء بيان الرئاسة الجزائرية ليؤكد أن حرباً غير معلنة باتت تجري بين المغرب والجزائر، وإذا حصل وثأرت الجزائر لمواطنيها فإن الوضع قد يتفجر، ليتسع الخرق على الراقع.
ويرى المحلل السياسي إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا، قوله “وهكذا بدأت تتضح فحاوي الرسالة السياسية لعملية القصف المحددة هذه؛ فهل المغرب يريد جر الجزائر للمواجهة العسكرية في الصحراء المغربية قبيل وصول الدبلوماسي الإيطالي الاممي ديميستورا للمنطقة؛ ومن ثم جرها للطاولة المستديرة للمفاوضات المباشرة بعد أن أعلنت انسحابها كمراقب؟ أم أن الجزائر في إطار ما سمته العقاب ستلجأ إلى تمريرة ليس بها تسلل عبر مسيرة قادمة من الصحراء المغربية تصيب عصفورين بحجر؛ تحسين في تسليح البوليساريو وإدخال الطيران المسير على الجبهة في إقليم الصحرء لتوازن رعب جديد.”
واضاف ،قد يكون المغرب أراد من خلال العملية تحقيق ثلاثة أهداف نفسية وسياسية ودبلوماسية تتمثل في القصاص لسائقيه في مالي التي اعتبر جزء من نشطاءه على السوشيال ميديا أن يدا موالية للجزائر هناك وقفت وراء حادث اغتيالهم؛ وضرب إمداد مفترض لمليشيات البولليساريو بشكل مباشر؛ ثم استدراج الجزائر لعمل عسكري يقوي حجته في طرفية الجزائر في قضية إقليم الصحراء.
وكانت الجزائر التي قطعت في 24 اغسطس/اب علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، أعلنت قبل أسبوع من اجتماع مجلس الأمن بأن رفضها العودة إلى محادثات المائدة المستديرة يعد “رفضا رسميا لا رجعة فيه”.
والمائدة المستديرة كانت من نتائج الدبلوماسية المغربية الهادئة التي نجحت في جمع كل الأطراف التي هي على صلة بالنزاع حول الصحراء المغربية ومن ضمنها الجزائر بصفتها طرفا رئيسيا.
وتتهم الرباط الجزائر بتأجيج النزاع ودفع جبهة البوليساريو إلى التصعيد بدلا من الركون للحل السلمي والواقعي للأزمة، معتبرة أن الجارة الشرقية لطالما ارتبطت ارتباطا وثيقا بعرقلة جهود التسوية السلمية للأزمة على مدى أربعة عقود.
وجاء في نص القرار الصادر الجمعة أنه يجب استئناف المفاوضات تحت رعاية المبعوث الأممي الجديد الإيطالي ستافان دي ميستورا “بهدف الوصول إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين” بهدف “تقرير مصير شعب الصحراء” المغربية
وقالت الجزائر إنها ” تنتظر من المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام إدراج ولايته حصريا في إطار تنفيذ القرار 690 (1991) المتضمن خطة التسوية التي وافق عليها طرفا النزاع، المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، واعتمده مجلس الأمن بالإجماع”.
وبحسب بيان الخارجية الجزائرية فإن”أي مسعى يتجاهل حق تقرير المصير والاستقلال للشعب الصحراوي سيكون ظالما وخطيرا وسيفضي حتميا إلى نتائج عكسية، فضلا عن أنه سيؤدي لا محالة إلى زيادة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة”.
وقد دفعت هذه الحادثة بغض النظر عن صحتها أو اختلاقها، عدداً من مراقبي هذا الشأن للحديث عن ملامح توتر جديد على جبهات عدة بالمنطقة الصحراوية المحاذية للحدود بين موريتانيا والمغرب والجزائر.
وأكد موقع “المنصة” الإخباري الموريتاني، في تحليل له أمس: “جاءت عملية قصف قافلة جزائرية من طرف ما يعتقد أنها طائرة مسيرة مغربية، لتصب الزيت على نار صراع لا تكاد تخبو جذوته حتى تشتعل من تحت الرماد من جديد، ووضع موريتانيا في هذه الحالة يدعو لمزيد من اليقظة ومحاولة تخفيف الاحتقان بين دول الجوار، أو على الأقل حماية حدودها بما تملك حتى لا تكون أرضاً لصراع لم تعد لها فيه ناقة ولا جمل”.