المرأة ترث نصف نصيب الرّجل، هكذا نصّ القرآن، منذ خمسة عشر قرنًا.
استنكر حزب العدالة والتنمية تصريحات أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول نظام الإرث، داعيا إياها إلى الكف عن الإساءة للثوابت الدينية للمغاربة.
وعبرت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية في بلاغ لها عن رفضها لتصريح بوعياش الذي قالت فيه إن نظام الإرث بالمغرب يكرس الحيف ضد النساء ويساهم في تفقيرهن، معتبرة أن هذا التصريح لا يليق برئيسة مؤسسة وطنية يفترض فيها الالتزام بالقانون والحرص على احترامه.
واعتبرت أمانة “البيجيدي” أن إصلاح بعض مظاهر الحيف التي تعاني منها المرأة المغربية يمر أولا عبر احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وليس بالاتهام المغرض للنصوص الشرعية بالمسؤولية عن ظاهرة الفقر التي يعاني منها النساء والرجال على حد سواء.
وأعرب حزب العدالة والتنمية عن قلقه الكبير من “المساعي الجارية من طرف بعض الجهات للمساس بنظام الإرث الجاري به العمل والذي يستمد مرجعيته من الشريعة الإسلامية”.
وأكد البلاغ أن تقييم حوالي عقدين من تطبيق مدونة الأسرة ينبغي أن يتم على ضوء نقاش علمي رصين وموضوعي وهادئ من طرف ذوي الأهلية والاختصاص، بعيدا عن بعض المقولات الإيديولوجية المعادية للقيم الدينية.
وشدد على أن هذا النقاش ينبغي أن يشارك فيه جميع الفاعلين من علماء وقضاة وقانونيين ومجتمع مدني مسؤول، في ظل المرجعيات والثوابت الوطنية الراسخة في هذا الباب، والمتمثلة في الأخذ بالشريعة الإسلامية ومقاصد الإسلام السمحة في تكريم الانسان والعدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف وبوحدة المذهب المالكي والاجتهاد الذي يجعل الإسلام صالحا لكل زمان ومكان.
والخميس، صدرت دراسة جديدة أعدتها “جمعية النساء المغربيات من أجل البحث والتنمية”، بشراكة مع “المنظمة المغربية لحقوق الإنسان” خلصت إلى أن 82 في المئة من المغاربة ضد كسر قاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين”.
وخلقت نتائج الدراسة جدلا ليس الأول من نوعه، إذ سبق لمنظمات حقوقية أن طالبات بتغيير القانون، فيما تستعد منظمات إلى توسيع النقاش العام حول القضية قبل رفع خلاصتها إلى البرلمان والمجلس العلمي الأعلى للنظر في القضية.
وخلصت الدراسة إلى أن أغلب المغاربة يرفضون تغيير قانون الإرث الذي يعتمد الشريعة الإسلامية، ويمنح الذكر ضعف ما يمنحه للأنثى.
وذكرت الدراسة بعنوان “نظام الإرث في المغرب.. ما هي آراء المغاربة؟”، أن 86.6 في المئة من المستجوبين أكدوا أنهم يعرفون قواعد نظام الميراث؛ 90.4 في المئة منهم في الوسط الحضري، و79.5 في الوسط القروي.
وأكدت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في الجلسة الافتتاحية لندوة قُدمت فيها نتائج الدراسة أن هذا النظام “ما زال حاملا لعدد من مظاهر التمييز وعدم المساواة تجاه المرأة، من صُوَرها نظام التعصيب، والقيود المفروضة على الوصية، وهو ما يحد بشكل قوي من ولوج النساء والفتيات إلى الأرض والثروات، وجعلهن أكثر عرضة للفقر والهشاشة”.
ومنذ دستور 2011، الذي اعتمده المغرب بعد حركة الربيع العربي، تعالت مطالب الحركة النسائية ومنظمات حقوق الإنسان بتعديل مقتضيات مدونة الأسرة ورفع التحفضات ضد حقوق النساء.
وأظهرت الدراسة أن عددا من المغاربة يلجؤون إلى “الالتفاف” على قواعد اقتسام الميراث المعمول بها حاليا لحصر توزيعه على أفراد الأسرة المقرّبين مباشرة.
وأفاد 76.5 في المئة من المستجوبين بأن الحل الذي يتم اللجوء إليه هو “البيع الصوري”، وقال 7.9 في المئة إن “الملتفّين” على القاعدة المذكورة يلجؤون إلى “الهبَة”، وتأتي “الصدقة” في الرتبة الثالثة، بحسب رأي 4.1 في المئة من المستجوبين، وفقا لما نقله موقع “هسبريس“.
وفيما يتعلق بتدبير المتوفى لتركته قبل الوفاة، يؤيد 60.4 في المئة إعطاء الأولية للوصية، باعتبار أنها تعطيه الحرية في تدبير تركته قبل الوفاة، وتصل نسبة مؤيدي هذا الطرح إلى 62.3 في المئة في العالم القروي، و59.4 في المئة في العالم الحضري، بحسب الدراسة.
وترى لومير في هذا “الالتفاف” سببا للتغير، وفي حديثها للحرة تقول: “الأكيد أن لجوء نسب مهمة من الأسر إلى اعتماد حلول بديلة من قبيل الإجراءات القانونية كبديل لقانون الإرث بالمغرب خير دليل على ضرورة فتح نقاش جاد وموضوعي بمقاربة جديدة في شأن تعديل قانون الإرث بالمغرب”.
ويعد الإرث موضوعا حساسا بالمملكة، ولايعتبر النقاش حوله جديدا، إذ سبق أن وقع أكثر من مئة مثقف مغربي قبل سنوات عريضة تدعو إلى إنهاء ما اعتبروه تمييزا ضد المرأة في قوانين الميراث.
ودعوا إلى إلغاء قاعدة “التعصيب” في الإرث التي اعتبروها “ظالمة” للمرأة. والإرث بالتعصيب أمر تقديري وليس مثل الإرث بالفرض المحدد بالنص.
يعتبر الكثير من المتتبعين للشأن السياسي في المغرب أن سنة 2013 كانت سنة “الردة” على مستوى الديمقراطية في المغرب، فبعد الانفتاح الذي عرفته البلاد خلال سنة 2011 والتعديلات الدستورية المهمة التي أقرها النظام استجابة لمطالب شباب “حركة 20 فبراير” تميزت سنة 2013 بالرجوع إلى العديد من الممارسات المنافية لتعزيز الديمقراطية في البلد، إضافة إلى ما تعنيه بعض الأحزاب السياسية من الكثير من انعزال عن المواطن المغربي، لذلك فإن صلاح الوديع منسق الحركة يقول بأنه “من البديهيات أن الأحزاب ضرورية للديمقراطية. ونعتبرها، كما المؤسسات الدستورية مخاطبا طبيعيا. لكن إعطابها يمكن أن تؤثر سلبا خاصة في مراحل البناء الديمقراطي الحساسة. والعديد من الأحزاب تقر اليوم ببعض هذا الواقع الذي تتعدد أسبابه.
كما أنّ المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، ليس مطلبًا جديدًا، فقد كان محطّ نقاش منذ بداية الستينيات، من طرف مفكرين مغاربة منهم علال الفاسي، وعبدالله العروي وآخرون ممن أثاروا قضايا الميراث وتحديد المناصفة، بالإضافة إلى جمعيات نسائية، وحقوقية. وفي سياق متصل، دعا الصبّار إلى ضرورة الخوض في نقاش التّجديد الديني، إذ لا بد من ذلك من أجل حلّ عدد من القضايا التي تُطرح بشدّة في عالمنا المعاصر.
فإذا كانت مدوّنة الأسرة تنصُّ، على سبيل المثال، على أن النّفقة تجب على الأم إن كانت “ميسورة” وعجز الأب كليًا أو جزئيًا عن الإنفاق، إلّا أن هذه المسؤولية المادية لا تخوّل لها الحق في الوصاية القانونية على الأبناء، ولا الحقّ في اقتسام الممتلكات المكتسبة أثناء الزّواج، ولا حتّى المساواة في الميراث، إذ تكرّس المقتضيات التّشريعية المتعلقة بالميراث عدم المساواة بين الرّجال والنساء، انطلاقًا من مبدأ القوامة.
وتخوّل مدوّنة الأسرة حاليًا لأولاد البنت المتوفاة قبل الأب، الحقّ في الاستفادة من “الوصّية الواجبة” التي كانت تهمّ في ما مضى، فقط أولاد الابن المتوفّى قبل الأب، هذه الوصية الواجبة تكون بمقدار حصتهم مما يرثه أبوهم عن أصله المتوفّى، على فرض موت أبيهم إثر وفاة أصله المذكور، وتكون حصّة أولاد البنت دون حصة أولاد الابن، فلا يحق للنّساء، نظرًا لأنهن يرثن بالفرض ( النصيب المقدر للوارث شرعًا) الحصول إلّا على حصّة مقدرة من الميراث، وفقًا لدرجة قرابتهن من المتوفّى، وصفة باقي الورثة لا غير. في حين أن الرّجال، الوارثين بالتعصيب، أي الذين تربطهم علاقة قرابة بالمتوفّى من جهة الذكور فقط، يحقّ لهم أخذ جميع التركة.
ويحق في الميراث للذّكر مثل حظ الأنثيين، وترث البنت الوحيدة بالفرض نصف التّركة، وتتقاسم ابنتان فأكثر الثلثين، بشرط انفرادهما عن الابن، ويذهب الباقي إلى باقي الورثة، وإلى الدولة في حال عدم وجود ورثة آخرين؛ أما الابن الوحيد الذي يرث بالتّعصيب، فيأخذ جميع التّركة بعد أخذ ذوي الفروض فروضهم؛ وتأخذ الزّوجة ثُمن تركة زوجها في حال وجود أبناء، بينما يأخذ الزوج ربع تركة زوجته مع وجود الأبناء.