تقرير : المغربي
أعرب المجلس الوطني لحزب “العدالة والتنمية”، قائد الائتلاف الحكومي بالمغرب، رفضه لبعض التراجعات في مجال الحقوق والحريات المكفولة دستوريا، ومن ضمنها المس بحرية التعبير والحق في التظاهر والاحتجاج السلمي، وذلك من منطلق الحرص على مواصلة تعزيز المسار الديمقراطي والمكتسبات في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات.
جاء ذلك في بيان للمجلس، الاثنين ،عقب الدورة الاستثنائية لمجلسه الوطني (برلمان الحزب)، انعقدت السبت والأحد، بالعاصمة الرباط، على ضرورة العمل على بث نفس سياسي وحقوقي، وتوفير شروط انفراج من خلال إيجاد الصيغة المناسبة لإطلاق سراح المحكومين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية والصحافيين المعتقلين، باستحضار روح الإنصاف والمصالحة، والمبادرات الملكية التي تعمل حق العفو، والتي شملت بعضا منهم خلال المرحلة الأخيرة.
أصبحت حرية التعبير في المغرب مهددة في جميع مجالات التعبير، بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي.
تضاعفت خلال الاشهر الأخيرة التدابير المقيدة للحريات في المغرب. يتعرض نشطاء جمعيات، صحفيين، طلاب المدارس الثانوية ، طلبة جامعيين ، مدونين ، رسامي الكاريكاتير ، فنانين ، مشجعي فرق رياضية وحتى مواطنين عاديين للإعتقال بسبب ارائهم و لأسباب أخرى.
ويعدّ المجال الحقوقي أكبر ملفات الخلاف، فإن كان الجميع تقريباً يقرّ بأن عهد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان قد ولّى ولم تعد البلاد تأوي معتقلات سرية يموت فيها المعتقلون ببطء كـ “تزمامارت” أو حالات اختفاء قسري ينتهي فيها مصير المعارضين إلى المجهول، فإن الكثيرين لا يتشاطرون الرؤى ذاتها حول مدى التزام الدولة بتحسين أوضاع حقوق الإنسان، خاصةً تلك المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، أو الحريات الفردية، وأحياناً حتى بعض الحقوق الاجتماعية.
تمكّن المغرب من تجاوز عواصف “الربيع العربي” بأقل الأضرار عندما أعلن الملك عن دستور جديد هو الأول في عهده، وشهد عام 2011 ارتفاعاً واضحاً لمنسوب حرية الرأي والتعبير، خاصة مع بداية العصر الذهبي للشبكات الاجتماعية، كما تم الإفراج عن معتقلين إسلاميين وتم تحويل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى مجلس وطني، وشهد الإعلام العمومي طفرة في النقاش السياسي.
لكن الآراء تختلف بين من يرى أن المغرب استمر على النهج ذاته، وبين من يرى بوقوع ردة حقوقية بدءاً من نهايات 2013، بل إن عصيد يرى أن “الربيع العربي” كان وبالاً على المغرب، إذ استغلت السلطوية تداعياته اللاحقة لأجل أن تحاول العودة إلى ما فترة ما قبل 1999.
غير أنه مع الأحداث الإرهابية في 16 أيار/ مايو 2003، بدأ مراقبون الحديث عن تراجع في حقوق الإنسان، إذ أدانت منظمات حقوقية ما اعتبرته حينئذ “ممارسات غير قانونية” بحق أكثر من 1500 شخص اُعتقلوا بعد الأحداث في إطار قانون الإرهاب، كما أكد المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في تقريره لعام 2004 وقوع خروقات، منها ما جرى خلال فترات الحراسة النظرية (الاعتقال على ذمة التحقيق).
هذا الوضع انسحب بشكل جزئي على مجالات أخرى، خاصة في الصحافة المستقلة، التي عانت بعض عناوينها خلال هذه السنوات تضييقاً، استهدف بالأساس حصصها من العائدات الإعلانية، بل وصل حدّ إجراء محاكمات انتهت بغرامات ثقيلة، ما ساهم في إفلاس بعض التجارب الصحفية كمجلتي “لوجورنال” و”نيشان”.
ويشير أحمد عصيد إلى أن مرحلة ما بعد 2003 كانت في المجمل امتداداً للسنوات التي سبقتها وظهرت فيها إرادة حقيقية للتغيير من لدن القصر، لكن رغم ذلك، ظهرت بعض المؤشرات على عودة تدريجية للسلطوية، يستطرد المتحدث، ومن ذلك ما جرى عام 2007، عندما رفضت السلطة مطالب الحركة الحقوقية بضرورة فتح المجال أمام دستور جديد.
وما جعل المنظمات الحقوقية الدولية وأخرى مغربية توجه سهام نقدها للدولة، ما يجري من محاكمات لمعتقلي حراك الريف، وكذلك لمعتقلي احتجاجات مدينة جرادة (تم إطلاق سراحهم بعفو ملكي)، فضلاً عن شكاوى من رفض الترخيص لأنشطة حقوقية، ووجود صحفيين ونشطاء حقوقيين خلف القضبان أو محاكمة بعضهم بناءً على تهم تخصّ المسّ بأمن الدولة، في وقت أعلنت فيه وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، عن أوّل تقريرٍ حكومي يخصّ حقوق الإنسان خلال السنوات الثماني الأخيرة، وما حققه المغرب خلالها من “إنجازات” و”مكتسبات”.
وهناك من يرفض ربط الاعتقالات التي تجري مؤخراً بقضايا حرية الرأي والتعبير أو حتى الحق في الاحتجاج، وهو ما يعبّر عنه يونس دافقير: “هناك قراءة مغلوطة لما يجري سببها أن حقوق الإنسان أضحت ملجأ لتنفيذ أجندات سياسية”، يقول المتحدث ذاته، مبرزاً أنه “لا يوجد صحفي واحد معتقل بسبب كتاباته، فالاعتقال يعود إلى قضايا حق عام”، كما أنه “لا يوجد قرار بمنع التظاهر، فالحالات التي صدرت فيها عقوبات، هي حالات ارتكب فيها بعض المتظاهرين أفعالاً تقع تحت طائلة القانون الجنائي”، ويعطي دافقير المثال بملف المعتقلين في “حراك الريف”، إذ بت القضاء في الملفات بناءً على واقع التخريب وإضرام النيران وغير ذلك وِفق قوله.
إلّا أن أحمد عصيد يذهب إلى رأي آخر، فـالسلطة تخلت عن أساليب التضييق القديمة كالاختفاء القسري والتعذيب الممنهج، ولجأت بدلاً عن ذلك إلى أساليب جديدة يقوم جوهرها على التوجه إلى الحياة الخاصة لمن يبدون مواقف نقدية حادة، وتقديمهم أمام القضاء بملفات أخلاقية، أو اعتقالهم لتهم أخرى تحت فصول القانون الجنائي، وذلك كي لا يتم تصوير المحاكمة على أساس أنها محاكمة سياسية أو من قضايا حرية التعبير. ويعطي عصيد المثال بناصر الزفزافي، متزعم حراك الريف، الذي كان يخاطب الملك في بعض فيديوهاته المباشرة بشكلٍ غير محترم، لكنه واجه تهماً أخرى أمام القضاء لأجل التغطية على الأسباب الحقيقية لاعتقاله وفق حديث عصيد.
الشرطة القضائية تستدعي “أستاذ التعاقد” المعتدى عليه لسماع أقواله