حزب معارض يتساءل “مَنْ المسؤول على عدم تحقيق الأَمْنْ الغذائي للمغاربة ؟؟”

0
304

أمام إستمرار حكومة رجال الأعمال في الانفراد بالسلطة واحتكار الثروة ، طالب حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” (معارضة) بالبحث  عن المسؤول على عدم تحقيق الأمن الغذائي للمغاربة.

واعتبر الفريق “الاشتراكي” بمجلس النواب أنه رغم المجهودات التي تبذلها الحكومة، فإن هذا لم يؤدي إلى نتيجة، متسائلا إن كانت الحكومة تملك الإرادة لإجراء تقييم حقيقي حول أين آل الدعم الكبير للقطاع الفلاحي ولماذا لم يحقق النتائج المرجوة منه.

وأشار في جلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية بمجلس النواب، أمس الاثنين، أنه يجب البحث كيف صرفت الأموال الضخمة المخصصة للدعم في القطاع الفلاحي.

وأكد الحزب أن القطاع الفلاحي يعيش وضعية صعبة، وأنه عجز عن تحقيق الوظيفة التي خلق من أجلها، وهي تحقيق الأمن الغذائي للمواطنات والمواطنين المغاربة.

وأضاف أن كل هذا يطرح السؤال عن من المسؤول على توفير هذا الأمن الغذائي، علما أنه في المنظومة الفلاحية الفلاح الصغير هو الذي ساهم بشكل كبير في توفير الغذاء للمواطنين المغاربة.

يعد القطاع الزراعي في المغرب من أهم الركائز الأساسية التي يعتمد عليها اقتصاد البلاد، مع إسهامه بنسبة 15 بالمئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، وسط خطط حكومية رامية إلى تعزيز مشاركة القطاع وفتح آفاق أوسع في السنوات المقبلة، من بينها تخصيص 15 مليار دولار لدعم القطاع وبناء سدود جديدة، علاوة على مشاريع مرتبطة بتحلية المياه، وغيرها من المشاريع التي يُعول عليها المغرب في دعم القطاع الذي يسهم بنسبة 40 بالمئة.

كان تاريخ انتاج الغذاء في المغرب الحديث دائم الارتباط بمصالح المستعمر حيث كان ما يزرع في الأراضي المغربية موجَّها أساسا نحو التصدير لضمان التكامل مع ما ينتج في الأراضي الفرنسية. لفترة طويلة كانت حاجيات فرنسا للحبوب كبيرة وإبان الحرب العالمية كانت المواد الأولية النسيجية والزيتية تحتل الصدارة في صادرات المغرب المستعمر. لقد دأب المغرب على نفس المنوال بعد الاستقلال الشكلي حيث حافظ على تلبية احتياجات الأسواق الأوروبية عبر تزويدها بنفس المواد الذي كان الاستعمار الفرنسي ينتجها في المغرب.

رفعت الدولة المغربية شعار تنمية الزراعة الذي من خلاله فتح باب التمويلات الممنوحة على شكل قروض. انفجرت أوائل الثمانينيات أزمة الديون بالمغرب، على غرار عديد بلدان الجنوب التابعة مما اضطرها للخضوع لإملاءات المؤسسات المالية الكبرى وتطبيق برنامج التقويم الهيكلي، وما يعنيه ذلك في القطاع الفلاحي من تقليص لحجم الاستثمارات العمومية والإعانات الحكومية وخصخصة عديد الأنشطة المرتبطة بالإنتاج والتسويق وعديد الشركات الفلاحية العمومية، وتحرير أسعار المواد الغذائية الأساسية.

“مخطط المغرب الأخضر”: تعميق التبعية الغذائية وتهميش صغار المنتجين/ات

  1. ما هو المخطط الأخضر؟

قام مكتب ماكنزي للدراسات بالولايات المتحدة الامريكية خريف 2007 بإنجاز دراسة استراتيجية لصالح وزارة الفلاحة والصيد البحري المغربية مقابل 24مليون دولار. هذه الدراسة ستكون الحجر الأساس لمخطط المغرب الأخضر 2008-2018 الذي أعلن عن انطلاقته الرسمية الملك في أبريل من سنة 2008 ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بمكناس. وارتكز هذا المخطط على سياسة ليبرالية واضحة المعالم، همت التركيز على الفلاحة المتجهة نحو التصدير بغية تسريع إدماج الإنتاج الفلاحي المغربي ومعه غذاء المغاربة في السوق العالمية، عبر تحسين شروط الاستثمار بضمانات حكومية وتحفيزات مالية وجمركية فائقة السخاء لفائدة كبريات التكتلات الرأسمالية الفلاحية المحلية والأجنبية.

تبنى المغرب منذ عام 2008 “مخطط المغرب الأخضر” بالفلاحة، كمشروع تراه الدولة “طموحاً” و”محرِّكاً” لعجلة الاقتصاد الوطني، وتؤكد على أنه جاذب للاستثمارات الضخمة والرساميل المحلية والأجنبية، بقدر يصل لحوالي 6.7 مليار دولار (وفق آخر أرقام وزارة الفلاحة لعام 2017). منجزات كثيرة ترى وزارة الفلاحة بأنها تحققت على مستوى الزيادة في إنتاج المنتوجات الزراعية من بواكر وحوامض وحبوب.. التي هي على العموم صالحة للتصدير نحو دول الاتحاد الأوروبي.

يهدف المخطط الأخضر إلى ”تنميتها” وفق دعامتين الأولى “تقوية وتطوير فلاحة ذات إنتاجية عالية وتستجيب لمتطلبات السوق عبر تشجيع الاستثمارات الخاصة ونماذج جديدة من التجميع العادل. وهي تخص ما بين 700 و900 مشروعاً تمثل حوالي 110 إلى 150 مليار درهم من الاستثمارات على مدى 10 سنوات”، وتتطلع الدعامة لثانية إلى “محاربة الفقر في الوسط القروي عبر الرفع بشكل ملحوظ من الدخل الفلاحي في المناطق الأكثر هشاشة”، وينتظر في إطار هذه الدعامة إنجاز 550 مشروعاً تضامنياً، باستثمار يتراوح بين 15 و20 مليار درهم على مدى 10 سنوات. تمول مخطط المغرب الأخضر على العموم هيئات ومؤسسات حكومية وشبه حكومية محلية، وأيضاً مؤسسات أجنبية كصندوق النقد الدولي وتمويلات من الاتحاد الأوروبي.

2.4. حصيلة مخطط المغرب الأخضر

إن نظرة أولى إلى حصيلة مخطط المغرب الأخضر توضح أنه لم يحقق اكتفاء ذاتيا ولا شكل محركا اقتصاديا من أجل توفير فرص الشغل في الأرياف والمدن. يرتكز أساس المخطط الأخضر على الإنتاج من أجل التصدير، حيث أنه لا يضع في حسبانه العجز الغذائي الحاصل في المواد الغذائية الأساسية بل يعمقه، هذا الأمر الذي يضع المغرب من بين أكبر الدول المستوردة في منطقة البحر الأبيض المتوسط للحبوب والبذور والزيت والسكر. بالإضافة الى هذا فان ثمار المخطط الأخضر تم جنيها من طرف كبار الملاكين والفلاحين مع تهميش صغار منتجي الغذاء الذين لم يستفيدوا شيئا من هذا المخطط سوى المزيد من التفقير.

 لقد لخص نجيب أقصبي أعطاب المخطط الأخضر في أربع مطبات أولها، فشل المخطط في خلق استقلالية الإنتاج بسبب ارتباطه بالأمطار مؤكدا أن “المغرب الأخضر” كان من بين أهدافه الأساسية أن يخفف وطأة التبعية للتقلبات المناخية، بمعنى أن يعطي الحد الأدنى من الاستقلالية للإنتاج الفلاحي، لكن هذا لم يتحقق إلى حدود الساعة. أما المطب الثاني، فيكمن في عدم تحقيق المغرب للاكتفاء الذاتي من المواد الحيوية كالحبوب والسكر وسواهما، فـ”الكمية التي يتم استيرادها من الحبوب بقيت ثابتة لم تتغير”. المطب الثالث يتجلى في التصدير، إذ ضاعف البلد من “إنتاجيته في الخضر والفواكه بهدف تصديرها، لكنه لم يتمكن من خلق أسواق جديدة”. وفي النهاية، يبقى المطب الأخير في عدم تحقيق هدف خلق 1.5 مليون منصب شغل ما بين 2008 و2020، بل تفيد الأرقام الرسمية بأن 150 ألف منصب شغل قد فُقِدَ ما بين 2008 و2017.

 بموازاة ذلك، أكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات لعام 2018 بأن هناك تراجعاً في حجم المساحات المسقية، إذ تراوحت ما بين %38 و%45 من الأراضي المزروعة، وهو ما لا يمتثل لما نصت عليه الاتفاقيات المحلية التي أوصت بسقي %67 منها. في المقابل، أشار التقرير إلى “التطور” الملحوظ على مستوى إنتاج القمح الصلب والشعير، إذ أفاد بأن المساحة المزروعة بهذا المنتوج تضاعفت ثلاث مرات، لكنه أبدى شكوكه تجاه المعايير والمؤشرات المعتمدة في تحديد الأهداف المنشودة، سواء في الاتفاقيات المحلية أو في المخطط الأخضر بعدما اتضحت لمراقبي المجلس هوة طافحة بين ما هو مكتوب كأهداف وما هو عملي كإنجازات على الميدان.

في الواقع يعتبر مخطط المغرب الأخضر سياسة ليبرالية صريحة تسعى إلى تحسين شروط الاستثمار بالفلاحة، التي تطالب بها الشركات متعددة الجنسيات، وتكسير الحواجز الجمركية لصالح المصدرين والمستوردين، الذين يضاربون بالمواد الغذائية، وتوسيع دعم الدولة لكبار المنتجين المحليين في ظل احتداد المنافسة بسوق المنتجات الفلاحية العالمية بسياق الأزمة الرأسمالية العالمية 2007-2008 التي ليست الأزمة الغذائية سوى إحدى أبعادها الرئيسية، إلى جانب الأبعاد الأخرى البيئية، المالية، الاقتصادية، السياسية، إضافة إلى مشكلة الهجرة.

3.4. مخطط المغرب الأخضر: استنزاف الثروات المائية

 لا يمكن الحديث عن حصيلة مخطط المغرب الأخضر دون التطرق للثروة المائية للبلاد منذ انطلاقه، حيث ركز على تصدير بعض المنتجات الفلاحية كالحوامض والبواكر والفواكه الحمراء… كما ذكرنا أعلاه. والمعروف على هذه الزراعات تقنيا أنها تحتاج كميات كبيرة من الماء وهو ما أثر فعلا على استنزاف الثروة المائية في عدد كبير من المناطق التي يتركز فيها هذا النموذج الزراعي التصديري على غرار جهة سوس ماسة ومناطق مختلفة في الجنوب الشرقي التي أصبحت تعاني جفافا حادا، والتراجع المخيف على مستوى الفرشة المائية في حوضي اللوكوس والغرب بشمال البلاد.

 ولضمان تزويد الأسواق الأوروبية والعالمية بالمنتجات الزراعية اعتُمِدت سياسة مائية موجهة لتمكين كبار الفلاحين والمستثمرين الأجانب من مواصلة الإنتاج وجني الأرباح الذي يتماشى مع أهداف مخطط المغرب الأخضر، وذلك بتوجيه السدود لري الضيعات الفلاحية الكبرى أساسا، من خلال إعادة تجهيز عدة شبكات هيدروليكية لهذا الغرض تتضمن آلية محاسبة عبر تثبيت العدادات والتحكم في قطع مياه السقي بشكل فردي، والأكيد أنها ستطبق على صغار الفلاحين الذين يواجهون سلفا صعوبات في أداء فاتورات السقي بحكم غلاءها في ظل فلاحة معاشية مهمشة.  جرى دعم هذه المناطق بسدود جديدة منها على سبيل المثال لا الحصر سد خروفة لدعم سد وادي المخازن بسهل اللوكوس، وأيضا سد قدوسه بمنطقة بوذنيب بالجنوب الشرقي لتجهيز مساحة 5000 هكتار لزراعة نخيل التمر المعدل جينيا، للإشارة، نفس المساحة تستحوذ عليها كبريات الشركات منها سهام بأزيد من 500 هكتار وعدد كبير من الفلاحين الكبار المحليين والمستثمرين. في الوقت الذي تستحوذ شركة سطام على هذه الاستثمارات الهيدروفلاحية. أما في منطقة سوس ماسة فقد جرى الاعتماد على تحلية ماء البحر إجباريا بعد نفاذ الثروات المائية بالمنطقة وتوالي سنوات الجفاف في سياق عالمي متأزم بيئيا، هذا الورش العمومي الذي يكلف المالية العمومية 4.48 مليار درهم لصالح الشركات المتعددة الجنسيات وكبار الفلاحين الناشطين بسهل اشتوكة.

   وقد شجع مخطط المغرب الأخضر على حفر الآبار والثقوب المائية بتقديم تحفيزات مالية، ناهيك عن الفوضى التي يعرفها هذا القطاع حيث يوجد حوالي %91 من الآبار دون ترخيص، خصوصا على مستوى الضيعات الفلاحية الكبيرة، ورغم إحداث مقترح قانون لتجريم حفر وإحداث الثقوب المائية فإن الوضع المائي لن يتغير إن لم تتغير جذريا سياستنا الفلاحية ككل.

  • “استراتيجية الجيل الأخضر”: تعميق السياسات النيوليبرالية في القطاع الفلاحي

     بعد تطبيق المخطط الأخضر الذي اثبت فشله أصدرت الدولة المغربية ما أطلقت عليه ”استراتيجية الجيل الأخضر” هذا الأخير الذي يعتبر مواصلة لنفس اختيارات الحاكمين في القطاع الفلاحي بالمغرب، وبالتالي المزيد من تشجيع للاستثمارات الكبيرة بهدف مضاعفة الصادرات، وتوسيع إعانات السلاسل الكبرى لتسريع التصنيع الفلاحي مع الاستمرار في الاستحواذ على الأراضي ووضع ترسانة قانونية لتمليك الأراضي الجماعية.

   تعتمد استراتيجية الجيل الاخضر على دعامتين أولهما اعطاء “أولوية للعنصر البشري ومواصلة الدينامية الفلاحية”.’

تسعى استراتيجية الجيل الأخضر حسب تعبير واضعيها الى تمكين 400 ألف أسرة فلاحية و رفع دخلها الى أكثر من 3800 درهم في الشهر وتوفير التغطية الاجتماعية لــ 3 مليون فلاح، والتي تبلغ حاليا 1,8 مليون فلاح ومستخدم. وكذا توفير ثروات مائية إضافية، للفلاحة الكبيرة من خلال محطات لتحلية ماء البحر كما هو الأمر بمنطقة سوس. بالإضافة إلى دعم 350 ألف فلاح مقاول من بينهم 45 ألف شاب. على غرار مخطط المغرب الأخضر الذي خلق 300 ألف استغلالية فلاحية (1.8مليون في المجموع الآن). وتوزيع مليون هكتار من الأراضي السلالية على 200 ألف مستفيد، منهم ذوي الحقوق والمستثمرين و45 ألف شاب، وذلك على شكل عروض كراء أو شراء أو شراكات بين الدولة والخواص وتوفير التأمين الفلاحي لفائدة 2.5 مليون هكتار، والذي يبلغ حاليا 1 هكتار، مليون هكتار ستتكلف به التعاضدية الفلاحية المغربية للتأمين، وتكوين أكثر من 1000 إطار فلاحي بدل 500 في السنة حاليا. وكذا زيادة خريجي التكوني المهني ليبلغ 19 ألف بدل 1400خريج في السنة حاليا. وتوفير 5000 مستشار فلاحي منها 520 مستشار للدولة. توفير منصات خدمات رقمية خاصة لفائدة 2 مليون فلاح لتسهيل التواصل بين المؤسسات والفلاحين عبر الانترنيت. إضافة إلى مواصلة عمليات التجميع في جميع سلاسل الإنتاج الفلاحي: تشمل سلسلة الإنتاج عدة مؤسسات تعمل في سلسلة أو حتى عدة قطاعات اقتصادية: ترى تدخل القطاع الأولي (الإنتاج الزراعي) ثم القطاع الثانوي (الإنتاج الصناعي للمنتجات الغذائية مثل الأغذية المعلبة أو الأطعمة المجمدة)، والفيدراليات البين- مهنية التي يبلغ عددها حاليا 19 فيدرالية (حصلت 15منها على التصريح)، وتمكين %25 من هذه التنظيمات من تسيير %30 من الميزانية العمومية، وأيضا عبر تحفيز تعاونيات مقاولتية، إضافة إلى دعم الزراعة البيولوجية لتصل إلى 100 ألف هكتار. مع هيكلة قنوات التوزيع والتسويق. والاستثمار في تقنيات الاقتصاد في الماء والطاقة. الشي الذي نستنتج منه، أنها مجرد أهداف واهية لا أساس لها من الصحة، وستجعل أوضاع صغار الفلاحين تتراجع تراجعا مهولا، ما يفرض عليهم بيع أو كراء أراضيهم. الشيء الذي يتبين من خلاله، تزايد إضرابات صغار الفلاحين والرعاة والسكان المحليين، في جميع المناطق القروية بالمغرب، بسبب تضررهم من هذه السيطرة الرأسمالية الكبيرة متعددة الأوجه.

من خلال استعراضنا للوضع العام لحالة الغذاء في المغرب من منظور شامل يأخد بعين الاعتبار الترابط القائم في السياسات الغذائية محليا وإقليميا ودوليا نكتشف بالملموس فشل النموذج النيوليبرالي المطبق منذ عقود غايته الكبرى هي المزيد من مراكمة الأرباح على حساب الطبقات والفئات الشعبية التي تعاني واقع الحيف والاضطهاد الاجتماعي بكل أشكاله.