دعا نشطاء حقوقيون وسياسيون وأكاديميون إلى إعادة النظر في فصول القانون الجنائي المغربي بما يجعل فلسفته متكاملة وتعلي من الحقوق الإنسانية. جاء ذلك في إطار سلسلة محاضرات نظمها برنامج جيل”فوج محمد سبيلا” الذي أطلقته مؤسسة منصات في دورته الرابعة والذي اختتم أشغاله أول أمس الأحد بالمحمدية وعرف مشاركة مشاركة عدد من الحقوقيين والسياسيين ونشطاء المجتمع المدني وأكاديميين.
عصيد : الحريات الفردية بالمغرب رهينة حداثة مترددة ومؤسسات عالقة
وصف أحمد عصيد التجربة المغربية في مجال الحريات الفردية بكونه تجربة حداثية مترددة لم تصل إلى الحسم. داء ذلك في سياق مداخلة قدمها عصيد في إطار برنامج جيل الذي تضمته مؤسسة منصات وأنهى أشغاله أمس الأحد بالمحمدية.
وأكد على أن وثيقة دستور 2011 حاولت فقط أن ترضي الجميع وهذا ما جعلها وثيقة دستورية متناقضة. وأبرز أن التيار المحافظ هو التيار الإسلامي بما في ذلك المخزن التقليدي (المجلس العلمي الأعلى، محيط القصر…)، وكذا بعض الأحزاب السياسية والمجتمع المدني.
وحول الوثيقة الدستورية لسنة 2011 ، أكد عصيد أن المكلفين بوضع الدستور وضعوا دستورا حداثيا غير أن الصيغة النهائية له تميزت بتراضي الأطياف المكونة للمنظومة السياسية المغربية، ومن هنا فقد عانى النقاش حول الحريات الفردية من حداثة مترددة في دولة عالقة.وتوقف عند استعمال الإعلام بشكل مكثف من أجل إعادة إنتاج الطابع التقليداني للمجتمع مستدلا في ذلك باستعمال الدين في مواجهة المعسكر الشرقي.
ومن جهة أخرى، أكد على أن التيار المحافظ يعتبر أن الحرية محدودة بتقاليد الجماعة أن الخارج عن الجماعة يستباح قتله، أما موقف الحداثيين من الحرية فمبني، يقول المتدخل، على أن الحرية هي مقتضى كوني لا تنتهي إلا عند مساسها بحرية الآخرين.
وقال الناشط الحقوقي أننا في سنة 2022 وما يزال الفرد غير معترف به، خاصة مع تطور العلاقات الاجتماعية ككل…، ما يعني أننا في حالة إعادة إنتاج الطابع التقليداني والذي تمت معاينته من خلال السياسات العمومية والذي أدى إلى عدم تطور المجتمع بشكل طبيعي.
الأبلق تدعو إلى تغيير القانون الجنائي لتغيير السلوك وتثمين التنوع
وفي سياق متصل، اعتبرت عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية عائشة الأبلق أن القوى المحافظة سياسيا واجتماعيا تشكل العقبة الرئيسية نحو إقرار التعديل المنشود للقانون الجنائي المغرب وخاصة فيما يتعلق بالحريات الفردية.
واعتبرت الأبلق، أن “|القانون يمكنه أن يلعب قاطرة لتوجيه السلوك والأخذ بعين الاعتبار التنوع الموجود بالمغرب. وأنه لا يمكن الحديث عن الانتقال الديمقراطي دون الحديث عن كونية حقوق الإنسان”. وأضافت المتدخلةأن الحريات الفردية سيرورة مجتمعية يحكمها التاريخ، وأن أن الحريات الفردية خرجت في المغرب من صلب اليسار، ونجد على سبيل المثال الحركة النسائية، معتبرة أن كل ما يعتبر قيمي يخلق جدلا داخل المجتمع، باعتبار أن النقط العالقة حول الحرية الفردية هي من المواضيع المثارة داخل البرلمان، وأن طبيعة المنتخبين وسمعة البرلمان جعلته حبيسا.
وشددت الأبلق، أن تحديث السياسة الجنائية ومجال القانون الجنائي مهم جدا للرقي بالحريات الفردية وذلك من خلال الاعتراف بكونية حقوق الإنسان والتي جاء بها الدستور في الديباجة، لكن تعديل السياسة الجنائية وخاصة القانون الجنائي لم يتحقق، وتم فقط تقديم مشروع القانون الجنائي إلا سنة 2015.
وكشفت الرئيسة السابقة للمجموعة البرلمانية للتقدم والاشتراكية أن مشروع تعديل القانون الجنائي وخاصة في شقه المرتبط بالحريات الفردية اصطدم بقوى محافظة سياسية كانت أو مجتمعية، إذ من المواضيع المثارة في هذا الشأن الإعدام، الإجهاض، حرية اللباس ….، غير أنه بقي حبيس الرفوف وطرح بعد ذلك سنة 2019، لكن لم يخرج لحيز الوجود خاصة بعد البلوكاج والتعارض بين الفرقاء السياسيين الذي وقع حول هذا المشروع.
واعتبرت أن القانون الجنائي المغربي يتم تجزئه وتعديل مادة مادة فيه ولا يعبر عن طور المجتمع من سنة 1962 إلى الآن. لكن هذا لا ينكر قيمة التعديلات التي عرفها هذا القانون، وعبرت فيما يخص مسألة الإجهاض أنه واقع مجتمعي يتطلب تأطيره قانونيا خاصة “الإيقاف الطبي للحمل”، حيث أن هذا النقاش حول الإجهاض مثار في المجتمع ككل.
وأفادت أن الحزب الذي تنتمي له قدم ما ذهب إليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، واعتبرت أن المجتمع هو سيرورة اجتماعية أفرزته تنشئة تربوية ، معتبرة على أن القانون يمكنه أن يلعب قاطرة لتوجيه السلوك والأخذ بعين الاعتبار التنوع الموجود بالمغرب. وأنه لا يمكن الحديث عن الانتقال الديمقراطي دون الحديث عن كونية حقوق الإنسان.
العمري : فلسفة القانون الجنائي متجاوزة ولغته قدحية للنساء
قالت تورية العمري أن فلسفة القانون الجنائي الحالي تقوم على الهاجس الأمني وحماية الأخلاق والآداب العامة على حساب الفرد وحقوقه وحرياته. وأضافت أن بنيته تفتقد لتصور تكامل ومنسجم لمعالجة الجرائم التي تمس النساء وسلامتهن الجسدية والنفسية وكذا كرامتهن، وأن اللغة المستعملة لغة محافظة متجاوزة وتعتبر في بعض الحالات قدحية.
وسردت العمري، عضوة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالدار البيضاء في مداخلة لها ببرنامج جيل للشباب الريادي الباحث المنعقد ما بين 20 و22 ماي بفندق نوفوتيل بالمحمدية، أبرز وأهم حملات الترافع التي قامت بها الحركة النسائية من أجل حقوق النساء وحرياتهم منها حملة المليون توقيع سنة 1993، وتأسيس شبكة ربيع المساواة التي دشنت لاحترافية وقوة الحركة النسائية بحيث عرفت نقلة نوعية وأصبحت قوة اقتراحية سنة 2001، وقد تم إقرار قانون الأسرة ينظم العلاقات بين المرأة والرجل وفق مبدأ الرعاية المشتركة عوض الاتفاق مقابل الطاعة والتنصيص على المساواة في الحقوق والواجبات ومن حيث الأهلية الشرعية في الزواج وجعل الولاية الشرعية للمرأة الرشيدة سنة 2004.
وعملت الحركة، تقول المتدخلة، في إطار حملات وطنية لمناهضة العنف ضد النساء من أجل رفع التحفظات على الاتفاقيات المتعلقة بالنساء، ومناهضة التمييز اتجاه النساء بتعديل بعض المواد القانونية، ومدونة الشغل، قانون الجنسية، تعديل أو إلغاء بعض مواد القانون الجنائي خاصة المادة 475.
وكشفت المتحدثة عن واقع حقوق النساء وحرياتهن حسب تقرير النيابة العامة الصادر سنة 2018 حيث أن 7721 من البالغين حكموا بسبب علاقات جنسية غير رضائية، إذ لا زالت أحكام القانون الجنائي تنتهك الحريات بما فيها الفصول 489-490-491 التي تعاقب بالسجن على العلاقات الجنسية المثلية…. وتنهك هذه الأحكام الحق في الحياة الخاصة على النحو المكفول به في الفصل 24 من الدستور.
واستدلت بذلك بمجموعة من الحالات من بينها قضية نتحار اأمينة الفيلالي بسبب المادة 475 سنة 2012، قضية اعتقال فتاتين بتهمة الاخلال بالحياء العام سنة 2015، وفي سنة 2019 اعتقال هاجر الريسوني بتهمة الإجهاض؛ كل هذه الأمثلة تضرب في مطالب الحركات النسائية ويحد من الحريات الفردية خاصة حقوق النساء.