حكم بالسجن 22 سنة على المرزوقي: هل تُجرّم تونس اليوم المعارضة؟

0
63

في تطور لافت ومثير للجدل، قضت محكمة تونسية بالسجن النافذ لمدة 22 سنة ضد الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي، على خلفية اتهامات تتعلق بـ”الإرهاب” و”التحريض على أمن الدولة”. الحكم، الذي صدر غيابيًا، أتى في ظرف سياسي داخلي شديد التعقيد، ويعيد طرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الحريات السياسية، واستقلال القضاء، ومسار الانتقال الديمقراطي في البلاد.

من الثورة إلى المحاكمة: مسار يثير التساؤل

حين تولى المرزوقي رئاسة تونس عام 2011، كان يُنظر إليه كرمز للمرحلة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام بن علي. واليوم، يُدان الرجل الذي عُرف بدفاعه عن الديمقراطية والحريات، بتهم “إرهابية”.

فهل نحن أمام تحول جذري في مقاربة الدولة التونسية للمعارضة السياسية؟ وهل أصبح التعبير عن الرأي خارج مؤسسات النظام القائم يُصنّف تلقائيًا ضمن خانة “التحريض على الدولة”؟

قضاء تحت الضغط؟ أم استقلالية لا تُلامس؟

الحكم الصادر عن “الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب” لا يأتي بمعزل عن السياق السياسي العام في تونس. فمنذ تولي الرئيس قيس سعيّد سلطات واسعة عبر المراسيم بعد حل البرلمان عام 2021، تُثار مخاوف متصاعدة بشأن استقلال القضاء واستخدامه كأداة لتصفية الخصوم السياسيين.

فهل يمكن اعتبار الحكم على المرزوقي تطبيقًا عادلاً للقانون؟ أم أنه جزء من توجه نحو إعادة بناء نظام رئاسي قوي على أنقاض تجربة ديمقراطية هشّة؟

المعارضة في مرمى “الأمن القومي”

اللافت أن هذا ليس أول حكم يصدر بحق المرزوقي: فقد سبق أن أدين بالسجن في قضايا تتعلق بـ”المساس بأمن الدولة” و”التحريض على الفوضى”. تتكرر إذن التهم نفسها، وتُلبّس لبوس “الإرهاب”، في وقت تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة وتآكلاً للثقة السياسية.

فهل تستغل السلطة أزمة البلاد الاقتصادية والاجتماعية لتركيز صلاحياتها؟ وهل تصبح لغة “الأمن القومي” مظلة لتجريم الأصوات الناقدة؟

المعارضة التونسية إلى أين؟

المفارقة أن الحكم لم يُقابل بصمت دولي. فقد بدأت عدد من المنظمات الحقوقية الدولية تراقب هذه الأحكام بقلق، خصوصاً مع تصاعد الاعتقالات في صفوف النشطاء والسياسيين، وارتفاع وتيرة استدعاءات القضاء ضد معارضين وفاعلين مدنيين.

فهل يفتح الحكم على المرزوقي فصلاً جديدًا من التوتر بين السلطة والمعارضة؟ وهل تقبل النخبة السياسية والمجتمع المدني بـ”عقيدة أمنية” تُعيد تونس إلى مربع القمع القديم، ولكن بواجهة دستورية جديدة؟

فرنسا تراقب بصمت؟

المرزوقي يعيش اليوم في فرنسا، وهو ما يطرح سؤالاً آخر: كيف ستتعاطى باريس مع ملف سياسي مقيم على أراضيها ومتهم بالإرهاب من قبل دولة “شريكة” في الضفة الجنوبية للمتوسط؟

هل ستغلب لغة المصالح، أم تُعلي فرنسا من اعتباراتها الحقوقية والديمقراطية كما تدّعي دائمًا في خطابها السياسي الخارجي؟

خلاصة تحليلية: هل بدأت تونس تُغلق نافذتها الديمقراطية؟

الحكم القاسي ضد المرزوقي ليس مجرد فصل قضائي، بل مؤشر على توازنات جديدة تُرسم في تونس. فبين دولة تتذرع بالاستقرار، ومعارضة تطالب بالحريات، يقف الشارع التونسي – المنهك من أزمات الخبز والبطالة – مشوشًا بين سرديتين: سردية “الدولة القوية” وسردية “الحرية المنهوبة”.

فهل يعيد هذا الحكم إطلاق النقاش حول شرعية السلطة الحالية؟ أم أنه سيُمرّر بهدوء وسط صمت دولي وتعب داخلي؟ وهل تونس اليوم بحاجة إلى “محاكمات سياسية” أم إلى مصالحة وطنية تعيد الثقة وتجنب الانهيار؟