تعتبر النقابات أن مشروع القانون الذي أعدته الحكومة، سيمنعها من ممارسة حقها الدستوري المتمثل في الإضراب.
انتقدت الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (نقابة الاتحاد المغربي للشغل) ما وصفتها بمناورات الحكومة و”الباطرونا” الهادفة لتمرير قوانين تضرب الحق في الإضراب والتنظيم النقابي، وفرض تعديلات تراجعية لمدونة الشغل وضرب مكتسبات الأجراء فيما يخص التقاعد وتكريس الحيف الصارخ في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد وتسييد التعاقد في الإدارات والمؤسسات العمومية.
جامعة القطاع الفلاحي تستعد لتنفيذ برنامج احتجاجي مفتوح في القطاع وتحمل وزير الفلاحة المسؤولية
ونددت الجامعة في بيان لها، بالحوار الاجتماعي المغشوش مطالبة بتفعيل وعد الزيادة العامة في الأجور والإنصاف الضريبي للأجراء، وتنفيذ باقي الالتزامات المتضمنة في اتفاق 30 أبريل المنصرم.
وطالبت وزير الفلاحة بإطلاق حوار جدي عاجل يفضي إلى حلول ملموسة للقضايا العالقة، فيما يتصل بظروف ووسائل العمل وإعادة هيكلة الوازرة وتحسن دخل الشغيلة أمام الارتفاع المهول للأسعار، وضمان خدمات اجتماعية في مستوى تطلعات الشغيلة الفلاحية وتضحياتها والتجاوب الفعلي مع المطالب الملحة للفلاحين والعمال الزراعيين.
وحملت الوزير كامل المسؤولية بشأن التوتر المتنامي في الوزارة والمؤسسات التابعة لها، وما آلت إليه أوضاع شغيلة القطاع بمختلف شرائحها؛ مجددة مطالبتها بحوار عاجل وجدي حول المطالب المطروحة على الوزارة، وتنفيذ كافة الوعود والالتزامات السابقة للوزارة في شأنها.
وعبرت عن اعتزازها الكبير بنجاح الإضراب الوطني في قطاع الفلاحة والصيد بالحري والتنمية القروية والمياه والغابات بنسب تراوحت ما بين 60 و90%، حسب المؤسسات العمومية والمديريات الجهوية والمركزية لوزارة الفلاحة؛ وبالحضور القوي للموظفين والمستخدمين والعمال والفلاحين نساء ورجالا، في وقفة الصمود أمام البرلمان، وتحديهم للمنع والقمع أمام وزارة الفلاحة بتحويل الوقفة الممنوعة الى مسيرة غضب، تعبيرا عن إدانتهم لمحاولات إخراس أصواتهم وثني عزمهم على الدفاع الوحدوي عن مطالبهم.
ويتضمن النص القانوني 49 بندا، وينص في المادة 5 على أن “كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا”.
ويوجب مشروع القانون حسب المادة 7، إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمال قبل خوض الإضراب.
أما في حالة الإضراب، فيمنع على المضربين، حسب المادة 13، عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الاحتجاج، ويمنع عليهم احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها.
ويمنع، حسب المادة 23، بعد إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق بين الأطراف المعنية، اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد مرور سنة على الأقل.
وتعتبر المادة 14 من أبرز البنود التي أثارت جدلا كبيرا، وتنص على اقتطاع عدد الأيام التي توقف فيها المضرب عن العمل، من الأجر الشهري.
وفي تصريح صحفي سابق، اعتبر أستاذ القانون الدستوري عبد العزيز القراقي، أن الحكومة السابقة برئاسة عبد الإله بنكيران هي التي أسست لمبدأ “الأجر مقابل العمل”.
وهي مقولة لطالما رددها القيادي في حزب العدالة والتنمية وطبقها خلال ولايته كوسيلة للضغط على الطبقة العاملة، وأردف القراقي أن “هذا المبدأ يفرغ حق الإضراب من محتواه كما هو متعارف عليه في المواثيق الدولية”.
وكان الأكاديمي المغربي، قد توقع أن يستغرق الحوار بشأن مشروع القانون التنظيمي المؤطر للإضراب وقتا طويلا قبل أن يخرج إلى حيز التنفيذ.
وشبه الأستاذ الجامعي هذه الوضعية، بقانون مدونة الشغل، الذي استغرق النقاش حوله 10 أعوام قبل أن يرى النور سنة 2003، وكذلك الأمر بالنسبة لمدونة الأسرة التي أثارت جدلا كبيرا قبل ان يتدخل عاهل البلاد الملك محمد السادس للمساعدة على تقريب وجهات النظر.
ويرى الصحفي ، أمين أمكاح، في تقرير نشر على موقع الجزيرة، لئن كان الرق قد أُلغي منذ عهد بعيد، إلا أن هناك ممارسات أشبه بالرق ما زالت قائمة بيننا، كالتي تحاول ممارسته الدولة المغربية على مواطنيها من خلال قانون الإضراب الذي وضع لخنق أنفاس الشغيلة وتحويلهم إلى عبيد خانعين، والحكومة التي تسير البلاد حاليا ما هي إلا عصابة منظمة ومرخصة بالقانون تمثل نفسها ولا تمثل الشعب المغلوب على أمره، فهي مجتهدة في تطبيق توصيات الصناديق والمؤسسات المالية التي تقترض منها، ويريدون للطبقة الشغيلة عبودية مطلقة لإنتاج شعب يعشق الذل ويدافع عليه، ولا يقاطع ولا يرفض القوانين المهينة التي تفرض عليه الاستكانة لغيره والخضوع له خضوعا منحطا.
وأعتبر ،إن الإضراب حق إنساني مشروع لا ينتزع إلا ظلما وعدوانا، والمساس به هو تعد صارخ على حق الطبقة العاملة في الدفاع عن حقوقها، فالذي يشتغل في أية مهنة ليس مستعبدا ولا رعية بل هو مواطن حر له الحق في التمتع بحقوقه كما تم التنصيص عليها أمميا ودوليا من دون أي تقييد وتكبيل لثنيه عن التظاهر والاحتجاج الذي يقتضيه الإضراب، ومن دون ممارسة سياسة الاستقواء وتكريس الاستبداد عليه، فالمهضوم حقوقيا إضرابه أنجع وسيلة للمطالبة بحقوقه المشروعة لاسترجاعها كاملة.
وقال ،فمن المعلوم أن منع ذوي الحقوق من حقوقهم سواء كانوا مستخدمين في القطاعات العمومية أو شبه العمومية أو الخاصة سيؤدي لا محالة إلى استعبادهم باسم القانون من طرف المديرين ورؤساء العمل وأرباب المقاولات، والأكثر سوءا من هذا أن ممارسة الإضراب سيصبح مراقبا قضائيا، وهذا كله تحت إمرة وتصرف الداخلية بكل مؤسساتها السلطوية التي تفرض تحكمها، وتثبت وقائع كثيرة صحة ذلك التحكم مرارا وتكرارا، بكل بساطة إنهم يُحوِّلون بهذا القانون الحق في الإضراب من أداة ضغط دستورية ومشروعة بيد الأجراء والموظفين للدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية وتحصين مكتسباتهم، إلى سوط في يد المشغلين ليستعملوه متى شاءوا حسب مصالحهم، في تناقض صارخ بين منطوق الدستور ومحتوى هذا القانون.
وتابع أمين، منذ متى كانت الدعوة إلى الإضراب تحريضا مادامت أنها ممارسة حقوقية صرفة ليس لها خلفيات غير المطالبة بالحقوق؟! ولا يكمن الخطر في المنع فقط بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى درجة اعتبار ممارسة حق الإضراب فعل جرمي، لهذا لم يكن قانون الإضراب في مستوى تطلعات الشغيلة التي تعتبره مجرد محاولة للإجهاز على مكتسباتها الحقوقية وبمثابة تراجع عن ما تم تحقيقه، هذا يعني أنه لن يفيد الطبقة العاملة في شيء وإنما سيضر بها فقط بتقييد حريتها المشروعة وحقها في الإضراب، والأمر الخفي أن هذا القانون يحمي الفساد والمخططات التخريبية ويرمي إلى تدمير ما تبقى من شبه الطبقة الوسطى التي هي ركيزة المجتمع وتضم: الأجراء والموظفين بالقطاع العام والقطاع الخاص، فهي تصارع وتكافح من أجل حماية ما تبقى من الحقوق، وتعاني الويلات لأنها بين نيران الطبقة الفقيرة المغيبة الوعي والتي تهول من ممارسة حق الإضراب وتخون كل ممارس له والطبقة الحاكمة لكونها تقرر ولا تناقش مع من يهمه الأمر أو المعني به.
كما اشار ، إلى أنه تتبين الدوافع الخبيثة من إخراج القانون التنظيمي للإضراب من خلال بنوده التي تنص على تقييد ممارسة الإضراب بشكل يتجاوز فيه الحد من السلطة، الشيء الذي يؤدي إلى إِهدار حقوق الموظفين والعمال بتدابير عنيفة وجائرة وبمعاملة قهرية تعسفية تجهز على ما تبقى من مكتسباتهم، بل إن الذي يقرأ محتوى هذا القانون لا يرى في استحضاره سوى تجريم للممارسة الحرة للإضراب الذي ينم على حس نضالي عال للمتضرر الذي يريد إنصافه بتوفير مطالبه العادلة والمشروعة، ولا يرمي وجود هذا القانون إلا إلى تحقيق مآرب سلطوية تخدم الجهات العليا المتحكمة في البلاد وتكون عونا للطرف المستخدم للطبقة العاملة ليمارس سلطته من دون قيد أو شرط وبلا أي اعتبار لحقوق الشغيلة، لهذا فالحكومة ترفض كل الدعوات التي تطالب بسحب هذا القانون من البرلمان وتجميده، وتحاول جاهدة التسريع من مسطرة المصادقة على مقتضياته وبنوده المجحفة التي لا نظير لها إلا في القرون الوسطى التي كانت تمارس فيه كل أشكال الاضطهاد والاستعباد.
فيما حذّر ، بأن المصادقة على هذا القانون سيقضي عمليا على حق في الإضراب عن العمل بمنع أشكال كثيرة منها كالإضراب اللامحدود والتضامني، وأشكال أخرى ستكون مكبلة بشروط غير معقولة تجعل الإضراب غير ممكن، وما تبقى من أشكال الإضراب لن يكون لها أي مفعول لأن هذا المشروع القانوني يضع بيد رب العمل وسائل عديدة لإبطال مفعول الإضراب والحد من ممارسته، لهذا يريد أصحاب السلطة نزع حق الإضراب من الطبقة العاملة لما له من فعالية في تحقيق المطالب المشروعة، الشيء الذي سيؤدي إلى الإجهاز على ما تبقى من وسائل الدفاع ضد كل ما يضر بحقوق الشغيلة من استغلال وقمع وتهريب وتعسف وحرمان من العدالة الحقوقية والأجرية.
مضيفاً ، كما أن دخول هذا القانون لحيز التنفيذ سيمكن القائمين على تسيير شؤون البلاد من تمرير مخططاتهم المشؤومة بسهولة، والقضاء على النضال سيمهد لكثير من القرارات التعسفية وسيساعد كثيرا الدولة على خوصصة بعض القطاعات الحيوية، ولكن يبقى الهدف الأول من قانون الاضراب هو القضاء على التنسيقيات والجمعيات المهنية التي تحتج من أجل الدفاع عن حقوقها، ومحاولة القضاء على نضال الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، فهذا الأمر يخوفهم كثيرا لذا فهُم يحاولون بشتى الطرق منع الحركات الاحتجاجية المتنامية، والتي أصبحت محركا لا يستهان به للتظاهر المشروع، وكل ذلك يؤكد على أن شغلهم الشاغل هو البحث عن أسلوب قمعي أكثر فعالية، والذي سيجعل العمال والموظفون عبيدا تحت هيمنة اللوبي الرأسمالي الوطني وقرارات المؤسسات الرأسمالية الدولية.
ولعل المواثيق والقوانين الكونية التي انضم إليها المغرب تعارض قانون الإضراب الذي يراد المصادقة عليه، فلا قانون ضد القانون والاتفاقيات الدولية، لذا على الدولة المغربية الانسحاب منها ليُنزل قانون الإضراب الجائر الذي سيأتي على الأخضر واليابس في كل ما يتعلق بحقوق الشغيلة، والحكومة المغربية لا تريد بسياستها الحالية وضع قانون لتنظيم الإضراب يحفظ الحقوق ويواكب متطلبات العصر وتطوراته بل تسن القوانين وتبدلها حسب هواها وأهدافها السياسية، وإن استمر هذا ستصبح الدولة المغربية منبوذة في المجتمع الدولي، بل ولربما يصل الوضع بها إلى مستوى الطرد من جميع المنظمات والاتحادات والجمعيات والهيئات الحقوقية المعترف بها دوليا بما فيها منظمة الأمم المتحدة والشراكة مع الإتحاد الأوروبي، فالمجتمع الدولي لا يفضل التعامل مع دولة لا تحترم حتى مواطنيها حقوقيا وإنسانيا، ولن يعود المغرب قويا إذا تخلف الوضع الحقوقي فيه وانحدر إلى القاع.
ولا يمكن تغيير الواقع في ظل السكوت المطبق الذي يجعل الكل متواطئ حكومة ومركزيات نقابية على تمرير قانون استعبادي لا مثيل له في تاريخ المغرب، ومنع المواطن المغربي من التمتع بحق كوني منصوص عليه أمميا ودستوريا وفق قواعده المتعارف عليها، لذا فإسقاط هذا المشروع القانوني الذي يجهز على الحق في الإضراب ويجرمه لن يتم من دون الإتحاد بين جميع مكونات المجتمع المغربي، وإلا ستتم المصادقة عليه وبالتالي شرعنته، خصوصا وأن معظم القوانين الحاسمة والتعديلات الكارثية والقرارات المصيرية تمرر في وقت الفراغ السياسي، الأمر الذي ينم على تصرف عصاباتي غير مسؤول، لهذا يجب أن نكون لهم بالمرصاد كلحمة واحدة إذا أردنا رفض الاستعباد المقنن للشغيلة، والأمر الذي ينبغي أن تعرفه الحكومة المغربية أنه لا يوجد شعب يرضخ رضوخا أبديا؛ فلكل شيء حد ولا يمكن الاستمرار في معاينة الظلم من دون أية ردة فعل واعية تولد ضغطا شعبيا قويا حتى لا يحصل ما تخشى غوائله ولا تؤمن عواقبه.
ونص أول دستور مغربي عام 1962 على الحق في الإضراب، وأحال على وضع قانون تنظيمي لتأطير وتحديد كيفية ممارسة هذا الحق.
ومرت سنوات كثيرة، وصولا إلى عام 2011 الذي شهد انبثاق دستور جديد نص على وضع كل القوانين التنظيمية قبل انتهاء الولاية التشريعية الأولى التي تزامنت مع دستور “أحدث ثورة على مستوى الحقوق والحريات”.