على الطريق الساحلية للعاصمة الرباط في اتجاه الهرهورة، يقف مول تجاري حديث البناء، يخفي خلفه حفرة عملاقة، ليست مجرد بقايا مشروع، بل قبر لحلم تنموي كان من المفترض أن يغير وجه العاصمة.
مشروع “سفيرة”، الذي وُلد وسط الزغاريد الرسمية والوعود البراقة، سرعان ما اختفى دون سابق إنذار، تاركًا وراءه أسئلة أكثر من الإجابات، واتهامات تتقاذفها أطراف متعددة، تتصدرها جهة مجهولة والوالي اليعقوبي.
من الحلم إلى السراب
قبل سنوات، كان من المخطط أن تتحول الرباط من مجرد مدينة إدارية كئيبة إلى عاصمة عالمية تنبض بالحياة. مشروع “سفيرة”، الذي تم تقديمه في حفل ضخم حضره كبار المسؤولين، بُشّر به كتحفة معمارية بقيمة 3.1 مليار دولار، قادرة على خلق 7300 فرصة عمل مباشرة.
كانت الخطة تتضمن بناء فندق فاخر، ومركز تجاري ضخم، وقاعات سينما، ومطاعم، وإقامات سكنية، فضاءات ترفيهية وثقافية، وحتى ميناء حديث، مما كان سيضع الرباط على خارطة العواصم السياحية العالمية.
لكن كما هو الحال في الكثير من المشاريع الكبرى التي تبدأ بضجة إعلامية، سرعان ما بدأ هذا الحلم يتلاشى. الشركة الإماراتية “إعمار”، التي تولت المشروع، انسحبت دون تفسير واضح، تاركة خلفها حفرة ضخمة أشبه بندبة عمرانية وسط العاصمة. أما المقر الفخم الذي شيدته، فقد تم هدمه لصالح مول تجاري، ليكون بمثابة شاهد صامت على مشروع وأد في مهده.
صفقات غامضة.. ومصير مجهول
لم يكن انسحاب “إعمار” سوى البداية، فسرعان ما بدأت الأرض التي كانت مخصصة لمشروع “سفيرة” تشهد تحركات غامضة. منازل قديمة يتم هدمها واحدة تلو الأخرى، وعمارات سكنية تنتظر دورها، في مشهد يثير التساؤلات أكثر مما يقدم إجابات.
فمن المستفيد الحقيقي من هذا التغيير المفاجئ؟ ولماذا يتم تفكيك مشاريع كبرى لتحل محلها صفقات غامضة لا يتم الإعلان عنها بشفافية؟
لم يكن “سفيرة” مجرد مشروع عقاري، بل كان جزءًا من خطة أوسع لتهيئة الساحل الأطلسي من بوقنادل بسلا إلى الصخيرات، في إطار رؤية طموحة لإعادة تشكيل المشهد العمراني للعاصمة.
لكن بعد سنوات من الترقب، بقيت المنطقة حبيسة وضع غير محسوم، تتأرجح بين الماضي المهدوم والمستقبل غير الواضح.
هل هو فشل إداري أم مخطط مقصود؟
يرى البعض أن مشروع “سفيرة” كان مجرد ضحية لسوء التخطيط وغياب رؤية واضحة، بينما يذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، معتبرين أن ما حدث هو جزء من “طبخة عقارية” كان المستفيد منها معروفًا مسبقًا.
فالوالي اليعقوبي، الذي أشرف على قرارات التهيئة، وجد نفسه في قفص الاتهام، وسط تساؤلات عن دوره في هذا الملف الشائك.
الرباط.. إلى أين؟
اليوم، وبعد كل هذه التحولات، يبقى السؤال معلقًا: هل كان مشروع “سفيرة” مجرد حلم غير قابل للتحقيق، أم أن هناك أطرافًا عملت على دفنه عمدًا؟ وماذا عن المشاريع المستقبلية التي تُعلن عنها الجهات الرسمية؟ هل ستلقى نفس المصير، أم أن هناك دروسًا ستُستخلص من هذا الفشل؟
ما هو مؤكد، أن الرباط، التي كانت على أعتاب تحول كبير، عادت إلى نقطة الصفر، بانتظار مشروع جديد قد يولد، أو حفرة أخرى تبتلع ما تبقى من آمالها.