تحليل “المغرب الآن” (قراءة في ورقة عبد الرحيم الرماح، رئيس المنتدى المغربي للتنمية الاجتماعية)
في المغرب الآن، لا ننشر النصوص كما هي، بل نعيد قراءتها في ضوء الواقع والرمز، بين ما يُقال رسميًا وما يُمارس فعليًا. ومن هذا المنطلق، يفتح تحليل الأستاذ عبد الرحيم الرماح الباب أمام سؤال مركزي:
هل ما يزال الحق النقابي في المغرب يمارس فعلاً كحق دستوري، أم أصبح يعيش حالة “نصف وجود” بين القانون والممارسة؟
🔹 ازدواجية الخطاب… بين الاعتراف والتضييق
يبدأ الرماح من الإشكال الجوهري الذي يطبع المشهد النقابي المغربي: ازدواجية الخطاب. فعلى المستوى الرسمي، هناك اعتراف بأهمية العمل النقابي كشريك في التنمية، لكن على الأرض تُمارس مضايقات ممنهجة تجعل من الانتماء النقابي مخاطرة مهنية.
وهذه الازدواجية ليست عرضية، بل تمتد جذورها إلى التاريخ التشريعي المغربي نفسه، منذ الظهائر الاستعمارية التي منعت العمال المغاربة من التنظيم النقابي، وصولًا إلى بطء مصادقة المغرب على الاتفاقيات الدولية الضامنة للحرية النقابية — ولا سيما الاتفاقية رقم 87 لمنظمة العمل الدولية.
🔹 قانون النقابات: بين الحاجة للتجديد والخشية من التقييد
يرى الرماح أن النقاش حول “قانون النقابات” لا ينبغي أن يُفصل عن منظومة القوانين الاجتماعية والاقتصادية، لأن كل تعديل في هذا المجال يمس البنية العميقة للعلاقات المهنية. لكن السؤال الذي تطرحه “المغرب الآن” هنا:
هل الهدف من إصدار قانون جديد هو تطوير العمل النقابي أم تقييده ضمن هوامش مقننة تجعل النقابة شريكًا صامتًا؟
من المثير أن أول قانون للنقابات في المغرب وُضع على عهد الاستعمار الفرنسي، بينما لا يزال النقاش اليوم يدور حول نفس الإشكاليات: التمويل، التداول على المسؤوليات، ضعف الانخراط، وضبابية العلاقة مع الدولة.
هذا التكرار التاريخي يكشف أن الإشكال ليس في النصوص، بل في الإرادة السياسية الحقيقية لتفعيلها.
🔹 حين يتحول الحوار الاجتماعي إلى شعارات موسمية
يؤكد الرماح أن تفعيل الحوار الاجتماعي هو المدخل الأساسي لحماية الحق النقابي، لكن التجربة المغربية تكشف أن هذا الحوار غالبًا ما يُستعمل كـ”موسم تفاوضي” لا كآلية مؤسساتية دائمة.
ولعل التحدي الأكبر هنا هو الانتقال من منطق التهدئة الظرفية إلى منطق الشراكة الاستراتيجية بين الحكومة والنقابات. فبدون ذلك، سيظل الحوار الاجتماعي مجرد طقس سياسي لتدبير اللحظة، لا وسيلة لبناء الثقة.
ما يجمع بين موظف الدولة وعامل المصنع في المغرب، هو الإحساس المتزايد بانكماش المساحات النقابية. في القطاع العام، تُقيد الممارسة النقابية بإجراءات إدارية وبيروقراطية. وفي القطاع الخاص، يُحارب العمل النقابي بحيل قانونية وتهرب من التصريح بالأجراء في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
النتيجة واحدة: انكماش المجال النقابي وتراجع جاذبيته لدى الأجيال الجديدة.
🔹 من النقابة إلى المجتمع: مسؤولية فكرية جديدة
واحدة من أهم نقاط الرماح هي دعوته إلى عودة النقابة إلى فضاءها الفكري، أي استعادة دورها التاريخي في النقاش العمومي حول التعليم، الصحة، التشغيل، والعدالة الاجتماعية. فالنقابة ليست مجرد أداة للمطالب المادية، بل يجب أن تكون منصة وعي جماعي تُعيد للمجتمع قدرته على النقاش والتنظيم والمساءلة. وهذا هو جوهر “الحق النقابي”: أن يُصبح الفعل الاجتماعي امتدادًا للوعي لا للولاء.
🔹 أزمة التمثيلية والنخب النقابية
يشير الرماح إلى ضرورة التداول على المسؤوليات داخل النقابات، وهو أمر بات اليوم أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فبدون تجديد النخب النقابية، لن يكون هناك تجديد في الخطاب أو في الوسائل.
لكن السؤال الأعمق هو: هل النظام النقابي نفسه مهيأ لتقبل التغيير؟ أم أن ثقافة “الزعامات النقابية” تحولت إلى جدار يمنع ظهور جيل جديد من الفاعلين؟
🔹 نحو نقابة المستقبل: فكر، استقلال، وجرأة
من خلال قراءة “المغرب الآن”، يتضح أن حماية الحق النقابي ليست مجرد دفاع عن شريحة مهنية، بل مواجهة فكرية وسياسية من أجل صون إحدى ركائز الدولة الاجتماعية.
فالنقابة القوية لا تُضعف الدولة، بل تُقويها عبر توازن القوى، وتمنح للمجتمع صوته في معادلة القرار.
إن إعادة الاعتبار للنقابات هو في جوهره إعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات، بين النص والممارسة، بين الشعار والواقع.
🔹 الخلاصة
ما يدعو إليه عبد الرحيم الرماح هو أكثر من مجرد إصلاح نقابي، إنه نداء لاستعادة روح العمل الجماعي التي ميّزت الحركة النقابية المغربية في مراحلها التاريخية الأولى.
وفي قراءة “المغرب الآن”، هذا النداء ليس حنينًا للماضي، بل محاولة لاستعادة المعنى المفقود في العمل النقابي: أن تكون النقابة صوت المجتمع لا صداه، قوة اقتراح لا مجرد رد فعل.