حملة تحصيل الديون الضريبية بالمغرب: بين الإنضباط المالي ومآلات “الإعفاءات الانتقائية”

0
156
أرشيف

في ظل الأزمات الاقتصادية التي تواجهها العديد من المجتمعات المحلية بالمغرب، برزت خلال الأسابيع الأخيرة حملة واسعة لتحصيل الديون الضريبية القديمة التي تراكمت لأكثر من 15 سنة في عدد من الجماعات المحلية الكبرى بجهات الدار البيضاء-سطات، مراكش-آسفي، وفاس-مكناس. حملت هذه الحملة أبعادًا مالية واقتصادية مهمة، وأثارت أسئلة حول مدى شفافية تطبيق القانون والعدالة في تحصيل هذه الالتزامات، خصوصًا في ظل تصريحات عن “إعفاءات وانتقائية” قد تمس نزاهة الأداء المالي للجماعات.

حملة التحصيل: رد فعل ضروري أم إعادة ترتيب حسابات؟

وفق مصادر مطلعة، نجحت مصالح المالية المحلية في تعبئة عشرات المليارات من المتأخرات الضريبية التي كانت تُعد ضائعة، ما أسهم في تعزيز ميزانيات الجماعات وترشيد تمويل مشاريع التنمية المحلية. وتعكس هذه الخطوة انضباطًا ماليًا يحاول معالجة العجز المتراكم وتحسين آليات الحكامة المالية.

لكن عملية التحصيل لم تخلُ من تحديات، إذ تبين أن الإجراء لا يُمارس على قدم المساواة، حيث وجدت تقارير داخلية أن بعض رؤساء الجماعات يمارسون نوعًا من الانتقائية في تطبيق القانون 82-17 المتعلق بالإعفاءات، ما يُسقط ظلالًا من الشك حول وجود حماية أو تمييز لصالح بعض المدينين الكبار، على حساب المصلحة العامة.

القانون 14.25 وأثره على ديناميكية تحصيل الديون

من جهة أخرى، شكل القانون رقم 14.25 المعدل والمتمم للقانون 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية، إطارًا قانونيًا جديدًا لتفعيل عمليات التحصيل والمراقبة. فقد أصدر وزير الداخلية توجيهات حثت الولاة والعمال على تشديد الإجراءات مع التركيز على تقييم مستوى مخاطر التحصيل بدلًا من مجرد قيمة الدين، بهدف ضمان توفير السيولة الضرورية.

ومع ذلك، فإن تعقيدات التطبيق والبيروقراطية، إضافة إلى العوائق السياسية والاجتماعية التي تحيط بعمليات التحصيل، تجعل من إنجاح هذه السياسة تحديًا ليس هينًا.

التهرب الضريبي والإعفاءات: ملفات جدلية تعيد النقاش

التمحيص في ملفات الديون كشف عن حجم الإعفاءات التي منحت لبعض المدينين، والتي أدت إلى خسائر كبيرة في موارد الجماعات. وتحوم الشكوك حول مدى قانونية بعض هذه الإعفاءات، خاصة مع التقارير التي تشير إلى ضلوع مسؤولين في اتخاذ قرارات غير شفافة، ما يفتح باب التساؤلات حول المسؤولية والمحاسبة.

وفي هذا السياق، تشير مصادر متخصصة إلى وجود تقارير سابقة تناولت ملف التهرب الضريبي لدى بعض الشخصيات السياسية والاقتصادية ذات النفوذ، الأمر الذي يعيد إلى الواجهة الحاجة إلى تدقيق شامل ومستقل.

تداعيات مالية واجتماعية

الأثر المالي لحجم المتأخرات الضريبية وتأخر تحصيلها انعكس سلبًا على قدرة الجماعات على تنفيذ مشاريعها التنموية وتقديم خدماتها الأساسية، وهو ما يؤثر مباشرة على حياة المواطنين، خصوصًا في المناطق التي تعاني من ضعف البنية التحتية ونقص الخدمات.

في المقابل، فإن الضغوط المتزايدة على بعض المدينين، لا سيما الصغار منهم، قد تولد بدورها مشكلات اجتماعية، مما يستوجب موازنة دقيقة بين صرامة التحصيل ومرونة التعامل الاجتماعي.

توصيات وخطوات مستقبلية

  • تعزيز الشفافية: من خلال نشر تقارير دورية عن سير عمليات التحصيل والإعفاءات، لتفادي الظنون والممارسات الانتقائية.

  • المساءلة والمحاسبة: فتح تحقيقات مستقلة في ملفات الإعفاءات المشبوهة والتهرب الضريبي، بغض النظر عن موقع المتورطين.

  • تطوير آليات التحصيل: استخدام التكنولوجيا والرقمنة في تتبع ملفات المدينين وتبسيط الإجراءات.

  • التوازن الاجتماعي: اعتماد مقاربات تراعي القدرات المالية للمواطنين وتدعم المتضررين عبر حلول تسديد مرنة.

  • تعزيز التعاون بين الجهات: تكامل الجهود بين وزارة الداخلية، المالية، والجماعات المحلية لضمان تنفيذ القانون بفعالية.

خاتمة

تشكل حملة تحصيل الديون القديمة في الجماعات المحلية فرصة حقيقية لترشيد المالية العمومية المحلية ودعم التنمية، لكنها في الوقت نفسه اختبار لمصداقية الحكامة والنزاهة. إن نجاح هذه العملية يعتمد على قدرة الجهات المسؤولة على إرساء مبادئ العدالة والشفافية، والابتعاد عن أي ممارسات انتقائية قد تضعف الثقة بين المواطن ومؤسساته.

في زمن تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، لا بد من أن تكون السياسات الضريبية أداة لإعادة التوازن لا لتعميق الانقسامات، وهذا ما يجب أن تحققه الخطوات القادمة في هذا الملف الحيوي.