في زمن الصمت المريب، وفي مهنة تهتزّ بين مطرقة التحولات وسندان التهميش، ترتفع نبرة حنان رحاب، نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، لتكون صوتًا جهوريًا في ساحة تعجّ بالتشويش وطمس الحقائق.
ففي لحظة مفصلية من الجدل حول إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، اختارت رحاب أن تكسر جدار الصمت، وتدق ناقوس الذاكرة، ليس من باب الدفاع عن الذات، بل وفاءً لأمانة المهنة، وللصحافيين الذين أوكلوا للنقابة تمثيلهم في زمن تعقّدت فيه خرائط المسؤولية.
“لم نكن يومًا جزءًا من الأزمة، كنا دائمًا في قلب الحل”، تقول رحاب، مؤكدة أن النقابة لم تكن يومًا سوى حصنًا للدفاع عن شرف المهنة، رغم العواصف والهجمات التي وصلت حد الترهيب المعنوي والمادي.
لكن ما الذي يُحرّك هذه الجرأة اليوم؟ إنها هجمة معلنة، من بعض الأقلام والجهات، التي تحاول إقحام النقابة في خانة المتسبّب في الوضع الراهن، متناسية – أو متجاهلة – أن النقابة كانت أول من حذّر من الخطر القادم منذ سنوات، حين كانت البقية تبارك الانزلاقات وتعتبرها “تعددية رقمية”.
حنان رحاب لم تتحدث بلغة التبرير، بل بلغة التاريخ الحيّ: من التحذير المبكر من انتهاكات أخلاقيات المهنة، إلى مواجهة زحف الهشاشة داخل المقاولات، إلى دق ناقوس الخطر حول تفكك منظومة التكوين، وغياب الرؤية لتأطير جيل جديد من الصحافيين.
لقد دفعت النقابة، كما تقول رحاب، “ثمن دفاعها عن ضرورة تحديث الإعلام العمومي، ومجابهة المنصات المعادية لقضيتنا الوطنية، بينما كان البعض يغطّ في نوم طويل، ويستهزئ من معاركنا، بل ويهاجمها.”
حنان، التي تتحدث بصوت المرأة الواثقة، لم تتردّد في إعادة الاعتبار للتاريخ السياسي والنقابي الذي شكل جذور النقابة، معتبرة أن “العلاقة بين الصحافة والسياسة ليست تهمة، بل شهادة على زمن نضالي دافع عن حرية التعبير وحقوق الصحافيين.”
ولم يغب عنها الاعتراف بأن الزمن تغير، وأن الأولويات تغيرت أيضًا. فاليوم، تقول رحاب، أصبح التركيز على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وعلى إرساء التكوين الأخلاقي والمهني، بدل الاكتفاء بالنضال السياسي.
لكنها لا تنسى أن المعركة لم تنتهِ. فـ”النقابة في مرمى نيران صديقة”، كما وصفت بدقة: من زملاء يخرقون أخلاقيات المهنة، إلى مقاولات لا تفي بحقوق العاملين، إلى حكومات لم تستوعب بعد أن الانتقال الإعلامي شرط للانتقال الديمقراطي.
رحاب تختم رسالتها بلغة الوضوح:
“نحن لا نفرّط في استقلاليتنا، ولكننا لا نمارس العدمية. نمدّ اليد لكل من يريد إنقاذ المهنة من الانهيار. ولهذا، نخوض معركة تعديل القوانين، لنؤسس لمشهد صحافي يليق بالمغرب والمغاربة.”