أخنوش في حوار الوداع: قراءة تحليلية معمقة وفق رؤية الدكتور منار السليمي
في خضم النقاش العمومي المغربي الذي أصبح يتركز حول أداء الحكومة وأدوات تواصلها، خرج رئيس الحكومة عزيز أخنوش في حوار إعلامي نادر على القنوات العمومية، محاولةً منه تقديم قراءة شاملة لأجندة حكومته وإنجازاته، لكنه لم يقدم كل الرسائل بوضوح. هذا الحوار، الذي اعتُبر محطة سياسية مفصلية في المشهد المغربي، أثار نقاشات واسعة بين المتتبعين والمحللين، وأبرز نقاط القوة والضعف في أداء الحكومة على صعيد الإعلام والتواصل السياسي.
في هذا الإطار، قدم الدكتور منار السليمي تحليلاً معمقًا للحوار من خلال مقطع فيديو مفصل، حيث فكه إلى عناصره الجوهرية، وبيّن مواطن القوة والخلل، وكشف عن رسائل سياسية مخفية وأبعاد حزبية غير معلنة. في هذا المقال، نقدم قراءة شاملة لملاحظات السليمي، مع تحليل صحافي مستقل، يسلط الضوء على أزمة التواصل، الرسائل الحزبية، القضايا المغيبة، إعادة تموضع المعارضة، والرهانات المستقبلية.
أزمة التواصل: بين الحزم والارتباك
افتتح السليمي تحليله بملاحظة تقنية دقيقة، تتعلق بتقطعات الحوار وتفاوت جودته التقنية، وهو أمر لم يكن مجرد عائق بصري أو صوتي، بل يمثل انعكاسًا أعمق على فعالية التواصل الحكومي. إذ لوحظ أن ظهور أخنوش على الشاشة كان متقطعًا، مع فواصل مفاجئة في الصوت والصورة، مما جعل متابعة الخطاب صعبة، وأسهم في خلق مجال للتأويلات، خاصة عند تناول موضوعات حساسة كالدولة الاجتماعية، مشاريع النقل أو برامج الدعم الاجتماعي.
السليمي أشار إلى أن عدم وجود ترتيب واضح بين الصحفيين، وغياب التنسيق بين القناتين العموميتين، جعل الحوار يبدو أشبه بـ “فوضى مسرحية” أكثر من كونه حوارًا رسميًا، وهو ما يقلل من مصداقية الرسائل حتى قبل الوصول إلى المحتوى ذاته. على سبيل المثال، لو تصورنا أن الحكومة أرادت عرض برنامج تشغيل الشباب أو توزيع الدعم الاجتماعي على مناطق مختلفة، فإن هذا الترتيب الفوضوي قد يجعل المواطن يشكك في صحة المعلومات الرسمية، ويضعف ثقة الرأي العام في قدرة الحكومة على إيصال رسائلها بوضوح.
قراءة السليمي: الحزم الظاهر في خطاب رئيس الحكومة لا يعني وضوح الرسائل أو فعاليتها. الحكومة قد تبدو قوية إعلاميًا، لكنها تفتقد إلى أدوات إيصال حقيقية، ما يترك الفرصة للمعارضة لاستغلال أي ثغرة لإعادة صياغة الرسائل وفق مصالحها.
الأجندة الحزبية وراء الحوار
من أبرز ملاحظات السليمي، هي أن الحوار لم يكن مجرد تواصل مع المواطنين، بل كان أداة لإعادة ترتيب الرسائل داخل الأغلبية الحاكمة. فقد أشار إلى أن حضور ممثلي حزب العدالة والتنمية أثناء تحضيرات الحوار يعكس محاولة لتقديم “هدية سياسية” للحزب ذاته، وربما اختبار مدى تجاوب الرأي العام مع هذا الترتيب قبل الانتخابات المقبلة.
يبدو واضحًا، وفق تحليل السليمي، أن الحديث عن الإنجازات الحكومية لم يكن مجرد تقرير إداري أو إعلامي، بل رسائل مزدوجة: للمواطنين كإنجازات قابلة للعرض، وللأحزاب الأخرى كدليل على كفاءة الأغلبية وقدرتها على تنفيذ برامجها رغم الضغوط السياسية.
مثال افتراضي: إذا كانت الحكومة قد نجحت في بناء 600 ألف وحدة سكنية، كما ذكر أخنوش، فإن طريقة تقديم هذا الرقم تعكس استراتيجية مزدوجة: للمواطن كتأكيد على الإنجاز، وللأحزاب الأخرى كرسالة عن قوة القيادة الداخلية للأغلبية.
تحليل صحافي مستقل: هذا النوع من الرسائل المخفية يكشف أن الأداء الإعلامي للحكومة مرتبط دائمًا بالمكاسب السياسية الداخلية، وليس فقط بالتواصل مع المواطنين. أي فشل في ضبط هذه الرسائل يمكن أن يؤدي إلى تشويش الجمهور وفتح المجال لتكهنات معارضة حول جدوى المشاريع.
المواضيع الجوهرية المغيبة
السليمي أكد أن الحوار لم يركز بما فيه الكفاية على القضايا الأساسية التي تهم المواطن المغربي، مثل البطالة، الفقر، تدهور القدرة الشرائية، ومستوى الخدمات الصحية والتعليمية. بعض الأسئلة المهمة لم تُطرح أصلاً، أو تم تمريرها بشكل سريع، دون إعطاء معلومات مفصلة، مما يخلق فجوة بين ما يعد به السياسيون وبين الواقع الذي يعيشه المواطنون.
على سبيل المثال، عند مناقشة برنامج تشغيل الشباب، تحدث أخنوش عن أرقام تجاوزت مليون مستفيد، لكنه لم يوضح توزيع هؤلاء المستفيدين على المدن والقرى أو القطاعات الاقتصادية المختلفة، ولا آليات متابعة تنفيذ البرامج. هذا النوع من الإحصائيات الضخمة بدون توضيح يؤدي إلى فقدان المصداقية، ويطرح تساؤلات حول كيفية قياس فعالية هذه البرامج.
التحليل المستقل: الفجوة بين الأرقام الرسمية والتجربة الواقعية للمواطنين تظهر الحاجة إلى تدقيق مستقل ومتابعة ميدانية، وهو الدور الذي يؤديه المحللون مثل السليمي أمام الرأي العام لتفسير هذه الفجوات بوضوح.
إعادة تموضع المعارضة
سلط السليمي الضوء على تأثير الحوار على تموضع حزب العدالة والتنمية، مشيرًا إلى أن الحكومة أعادت ترتيب العلاقة مع هذا الحزب بشكل مدروس. حضور ممثلي الحزب أثناء التحضير، وإشارات أخنوش لهم، يوضح أن الحكومة تحاول تقليص مساحة الهجوم المباشر من المعارضة، لكنها في الوقت نفسه تترك فرصة للحزب للظهور وكأنه حامي مصالح المواطنين في مواجهة أي قصور حكومي.
مثال افتراضي: عند مناقشة مشاريع التنمية القروية، إن عرض الحكومة لإنجازاتها بشكل غير مكتمل أو متقطع، يتيح للمعارضة التقاط ثغرات التنفيذ، وإعادة صياغتها أمام الجمهور على أنها قصور حكومي، وهو ما يعزز صورتها الانتخابية.
تحليل السليمي: هذا التوازن الهش بين الحكومة والمعارضة يعكس ديناميكية سياسية دقيقة، ويبرز أهمية متابعة كل خطوة إعلامية وحزبية بعناية.
الإعلام العمومي ودوره في الحوار
أوضح السليمي أن الحوار كشف ثغرات كبيرة في دور الإعلام العمومي، خاصة في ترتيب الأسئلة وتنظيم الحوار بين الصحفيين. غياب التنسيق أثر على وضوح الرسائل، وجعل الحوار يبدو غير منظم، وهو ما يقلل من مصداقية الحكومة في عيون الجمهور.
أمثلة مفترضة: لو أرادت الحكومة توضيح برنامج وطني للمدن الذكية أو تحسين البنية التحتية، فإن ضعف التنظيم الإعلامي سيؤدي إلى تشويه الرسالة، حتى لو كانت المشاريع ناجحة.
التحليل المستقل: يظهر أن الإعلام العمومي بحاجة إلى إصلاح شامل في كيفية إدارة الحوارات السياسية، وضمان وصول الرسائل الرسمية بوضوح ودقة.
الرسائل السياسية المستخلصة من الحوار
من خلال تحليل السليمي، يمكن استنتاج عدة رسائل أساسية:
-
حوار الوداع ليس وداعًا بسيطًا: بل محطة لتوضيح الرؤية الحكومية وتوزيع الأدوار داخل الأغلبية.
-
وجود رسائل مخفية: أي حديث عن إنجازات حكومية يخدم غالبًا أجندة حزبية داخلية، وليس فقط المواطن.
-
الحزم لا يعني الوضوح: الحكومة قد تبدو قوية إعلاميًا، لكنها تواجه خللًا في إيصال الرسائل.
-
فرص المعارضة: أي خلل في التواصل يمنح المعارضة أدوات جديدة لإعادة صياغة الرسائل وفق مصالحها.