“حين تتحوّل نعمة المطر إلى مشجب للفشل: من يُغرق الفلاحة في المغرب؟”

0
74

في بلادٍ يُفترض أن يكون المطر فيها نعمةً يُهلّل لها الجميع، ثمة من لا يراه إلا لعنة موسمية، يُحمّلها ما لا طاقة لها به، ويرفعها كشماعة يُعلَّق عليها كل فشل. ما الذي يجعل الأمطار في المغرب تتحوّل في بعض الفترات من بشرى إلى نذير شؤم؟ وهل نحن بصدد أزمة مناخ أم أزمة ذهنية وسياسية في تدبير الشأن الفلاحي والاقتصادي؟

الأمطار.. الكارثة التي ينتظرها البعض ليُبرر عجزه؟

في الذاكرة الجماعية المغربية، لا يخلو البيت من حكاية الوالد الذي يعيد فشله في البيع والشراء إلى “قلة الإقبال بسبب المطر”، أو التاجر الذي يُعطل السوق حين تتلبد السماء، أو المسؤول الذي يُبرر فوضى الأسعار بتعاقب الجفاف والمطر. هل المطر حقًا هو السبب؟ أم أن هناك فشلًا في خلق منظومة قادرة على التكيف مع مناخ متقلب؟

الواقع أن المغرب، الذي يراكم سنويًا مشاريع ضخمة في الري والتخزين والتأمين الفلاحي، لم ينجح بعد في تحويل هذه الأمطار المتأخرة إلى فرصة. لماذا؟ هل لأن الرؤية القطاعية ظلت مرتبطة بعقلية “الموسم” بدل التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى؟ وأين هي فعالية السياسات الفلاحية الكبرى كـ”مخطط المغرب الأخضر” و”الجيل الأخضر” حين يتعلق الأمر بإدارة المخاطر المناخية؟

ماي… الشهر الذي يخشاه الفلاحون

في زاكورة، وفي مناطق الشاوية ولوكوس، لا تجد من يفرح لزخات ماي، بل العكس: الخوف سيد الموقف. الفلاحون يضعون أيديهم على قلوبهم، يخشون على محصول الحمص في فترة الإزهار، وعلى القمح الذي ينتظر ساعة الحصاد. لكن السؤال الأهم: لماذا لم نصل بعد إلى نماذج زراعية قادرة على مواجهة تقلبات ماي وجفاف فبراير؟

رشيد الغزاوي، فلاح من العرائش، يلخص المأساة: “الشتاء في هذا الوقت ضرر… الحمص يُقتل”. ويضيف آخرون بأن الأمطار تُضعف جودة القمح وتُضرب الشعير، ويُصبح ما تبقى من الأمل معلقًا على تدخل عاجل… لا يأتي.

مطر ما بعد الأوان… من يتحمل المسؤولية؟

لا ينكر الخبراء أن ما يحدث هو “خطر طبيعي” يصعب توقعه، لكنهم يتفقون أن الخطر الحقيقي يكمن في غياب منظومة تدبيرية استباقية. رياض أوحتيتا، خبير في المجال الزراعي، يُحذر من انتشار الأمراض الفطرية، ويؤكد أن ارتفاع التكاليف وانعدام التأمين المناسب للفلاحين يجعل كل “نقطة مطر” سيفًا مسلطًا على أرزاقهم.

فلماذا لا يتم توسيع نظام التأمين الفلاحي ليشمل كافة المحاصيل، بدل ترك الفلاح يواجه مصيره بين السماء والأرض؟ ولماذا لا يتم تحفيز البحث العلمي الزراعي لابتكار أصناف أكثر مقاومة للأمطار المتأخرة والبرد القارس؟

مطر المغرب… بين نعمة السماء ونقمة التدبير

لا أحد يُنكر أهمية المطر في بلد يواجه التصحر وشح المياه، لكننا اليوم أمام سؤال صريح: هل نُعاني من الجفاف الطبيعي، أم من العطش التدبيري؟ وهل فشلت السياسات العمومية في أن تتحوّل من عقلية “رد الفعل” إلى “ثقافة التوقّع”؟ وهل يُعقل أن تظل فلاحتنا رهينة تقلبات مناخية لا نتحكم فيها، بينما العالم يتجه نحو الزراعة الذكية والمقاومة للظروف القاسية؟

خلاصة:

المطر لا يُفسد المحاصيل… الذي يُفسدها هو الفشل في الاستعداد له. وإن كانت الأمطار الكثيفة قد تُغرق حقلاً، فإن السياسات المرتبكة تُغرق قطاعاً بأكمله. فما حاجتنا إلى السماء إن لم تكن لدينا مؤسسات على الأرض تُحسن التدبير؟