حين تصبح مدونة الشغل حبرًا على ورق: من يحمي المرأة الأجيرة في مغرب ما بعد الإصلاح؟

0
178

في مشهد لا يخلو من التناقضات، احتضنت قاعة المندوبية الجهوية للثقافة بفاس يوم 23 مارس 2025 ندوةً حملت عنوانًا صريحًا: “حقوق المرأة الأجيرة بين القانون والواقع”، نظمتها المنتدى المغربي للتنمية الاجتماعية، تزامنًا مع تخليد اليوم العالمي للمرأة. المناسبة رمزية، لكن الطرح كان مؤلمًا. فبين القوانين التي تزخر بها مدونة الشغل والواقع المرّ الذي تعيشه آلاف النساء العاملات، تنكشف هوةٌ تشريعية واجتماعية تزداد اتساعًا.

فهل نحن فعلاً أمام قوانين تحمي، أم مجرد نصوص تُرفع في وجه النقد وتُنسى عند التطبيق؟ ولماذا يبدو أن النقاش الوطني حول تعديل مدونة الأسرة لم ينسحب بعد على مدونة الشغل، خصوصًا فيما يتعلق بحقوق النساء الأجيرات؟ وهل يمكن تحقيق تنمية اجتماعية فعلية دون إنصاف من تتحمل العبء الأكبر في سوق العمل الهش وغير المهيكل؟

قانون متقدم… وواقع متخلف

منذ صدور مدونة الشغل في يونيو 2004، والمفروض أن المرأة الأجيرة قد كسبت أرضية قانونية تضمن لها الحد الأدنى من الكرامة والحماية. لكن ما الذي تغير فعليًا؟ وفق مداخلة الأستاذ عبد الرحيم الرماح، رئيس المنتدى المغربي للتنمية الاجتماعية، فإن أغلب المقتضيات الخاصة بالمرأة داخل المدونة لا يتم تفعيلها بالشكل المطلوب، بل يتم التحايل عليها بشكل ممنهج، خصوصًا في القطاعات غير المهيكلة.

فهل تكفي النصوص القانونية وحدها لتحقيق العدالة الاجتماعية؟ أم أن الإشكال الحقيقي يكمن في ضعف المراقبة، وتواطؤ بعض الفاعلين، وغض الطرف عن الانتهاكات لأسباب اقتصادية وسياسية؟

خمسة وجوه للانتهاك: عندما يتعدد الاستغلال وتتوحد الضحية

استعرضت الندوة عددًا من الخروقات التي تطال النساء العاملات، والتي يمكن تصنيفها في خمس صور:

  1. التهرب من التصريح والتأمين: حيث يتم تشغيل النساء بأجور دون الحد الأدنى، وساعات تفوق ما يحدده القانون، دون أية حماية اجتماعية.

  2. القطاع الفلاحي: حيث تُنقل النساء في ظروف مهينة، وتُحرم أغلبهن من التأمين، والأجور الهزيلة تبقى القاعدة لا الاستثناء.

  3. عاملات النظافة: مع أجور تتراوح بين 1200 و1700 درهم شهريًا، أي أقل مما يتقاضاه موظف في بداية مساره، رغم طول ساعات العمل وشدة المهام.

  4. العاملات المنزليات: رغم صدور القانون 19.12 سنة 2018، فإن عدد العقود المبرمة لم يتجاوز 6000 عقد على الصعيد الوطني! رقم يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدوى التشريع بدون تحفيز أو ردع.

  5. العاملات في الإنعاش الوطني: بواقع أجور تتراوح بين 1700 و2400 درهم، فإنهن يشتغلن خارج حماية نظام الوظيفة العمومية، ما يجعلهن عرضة للاستغلال المؤسساتي.

فهل يمكن الحديث عن “تنمية اجتماعية” في ظل هذا الاستنزاف لكرامة الأجيرات؟ وكيف يمكن للدولة أن تطالب بالالتزام بالقانون في حين تتورط بعض مؤسساتها في خرقه؟

المرأة بين خطاب التمكين وواقع التهميش

في مداخلات لعدد من الأكاديميات والفاعلات النقابيات، برز سؤال جوهري: هل التمكين الاقتصادي للمرأة ممكن دون ضمان الحقوق الأساسية داخل العمل؟
الدكتورة سهام بلغيتي علوي شددت على أن تمكين المرأة لا يجب أن يظل شعارًا فضفاضًا بل رافعة حقيقية للتنمية، خاصة إذا ما اقترن بإنصاف اقتصادي وتشريعي.

من جهتها، أبرزت الأستاذة سعاد التيالي التناقض الصارخ بين حماية القانون للعاملات المنزليات وإهدار كرامتهن في الواقع، مطالبة بقراءة نقدية للقانون 12.19 الذي يبدو أنه بقي عاجزًا عن إحداث أثر فعلي.

أمام هذا الواقع، هل يجب إعادة النظر في فلسفة القوانين الاجتماعية برمتها؟ وهل نحتاج إلى ثورة قانونية تضع حقوق الأجيرات في صلب أجندة الدولة بدل اعتبارهن هامشًا يمكن تجاوزه؟

بين مدونة الأسرة ومدونة الشغل: العدالة الاجتماعية لا تتجزأ

إذا كانت مدونة الأسرة في طريقها للتعديل، فإن الأمر لا يجب أن ينحصر في القضايا المرتبطة بالأحوال الشخصية فقط. فالعدالة التي تُرفع شعاراتها اليوم لن تكتمل بدون عدالة اقتصادية واجتماعية تحصن المرأة العاملة من الاستغلال، وتمنحها استقلالًا حقيقيًا.

فهل سيكون تعديل مدونة الشغل هو التحدي القادم؟ وهل تتحمل الأحزاب والنقابات مسؤولياتها في دفع هذا الورش؟ أم أن صوت المرأة الأجيرة سيبقى مغمورًا تحت ضجيج “التمكين المناسباتي” الذي يظهر فقط في الأيام العالمية والمهرجانات الخطابية؟

خاتمة: الكرامة لا تُؤجَّل

لم تكن ندوة المنتدى المغربي للتنمية الاجتماعية مجرد مناسبة للاحتفاء بالمرأة، بل كانت صرخة مدوية في وجه التجاهل المستمر لمعاناتها داخل سوق العمل.
وإذا كان القانون أداة للإنصاف، فإن تطبيقه هو السبيل الوحيد لرد الاعتبار لمن تبنين عجلة الاقتصاد بصمت. أما ترك القوانين بلا مراقبة، فهو إهانة مستمرة للكرامة الإنسانية.

فإلى متى تبقى المرأة الأجيرة مجرد رقم في إحصائيات الهشاشة؟ ومن يحاسب من؟